« Gaza : un journaliste affamé, témoin et victime de la famine » — 19 juillet 2025 (AFP) غزة: صحفي جائع، شاهد وضحية المجاعة.
في غزة، لم يعد الصحفي مجرد ناقل للخبر، بل أصبح هو نفسه عنوانًا للمأساة. لم تعد حكايات الجوع تأتي فقط من مخيمات النازحين، ولا من المشافي المكدّسة بالهياكل البشرية، بل باتت تصل مباشرة من بين أيدي الصحفيين الذين يروون يوميًا فصول كارثة إنسانية غير مسبوقة. واليوم، تقف وكالة الصحافة الفرنسية عاجزة أمام احتمالية مفجعة: مراسلوها في غزة قد يموتون جوعًا.
في بيان غير مسبوق نشرته الوكالة عبر منصاتها، أعربت عن خشيتها من فقدان فريقها الصحفي في قطاع غزة بسبب الجوع والانهيار الصحي، في ظل الظروف الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر 2023، واستمرار الحصار الخانق الذي يمنع دخول الغذاء والماء والدواء.
تقول الوكالة إنها تعمل حاليًا في غزة عبر طاقم صغير من المراسلين المستقلين: كاتب نصوص، وثلاثة مصورين، وستة مصوري فيديو، وهم من القلائل الذين ما زالوا يوثقون ما يحدث من الداخل، بعد أن تم منع دخول الصحفيين الدوليين منذ ما يقرب من عامين. هؤلاء، وفق ما ورد في البيان، أصبحوا عالقين بين ركام الحرب ومجاعة تهدد حياتهم.
“لم تعد لدي القوة للعمل”، هكذا كتب المصور بشار – أحد أعضاء الفريق – في رسالة قصيرة على صفحته الشخصية، يوم السبت 19 جويلية. بشار، البالغ من العمر ثلاثين عامًا، يعمل مع الوكالة منذ عام 2010، ويعيش اليوم في أنقاض منزله بمدينة غزة، مع والدته وأشقائه، محرومًا من مقومات الحياة الأساسية. لا أثاث، لا ماء، لا كهرباء، بل فقط الجوع. يقول التقرير إن بشار يعاني من الإسهال المزمن وسوء التغذية، وأصبح غير قادر على حمل الكاميرا، فيما سقط شقيقه الأكبر مؤخرًا مغشيًا عليه بسبب الجوع.
زميلته أحلام، التي تعمل من جنوب القطاع، عبّرت عن المأساة بصوت خافت: “في كل مرة أغادر الخيمة لتغطية حدث أو إجراء مقابلة، لا أعلم إن كنت سأعود حيّة”. وتضيف أن أكبر تحدٍ تواجهه اليوم لا يكمن في القصف، بل في نقص الغذاء والماء. “أحاول أن أواصل عملي، لأعطي صوتًا للناس، لأوثق الحقيقة رغم كل المحاولات لإسكاتها”، تقول، وتختم: “المقاومة ليست خيارًا.. بل ضرورة”.
ورغم أن الوكالة الفرنسية تستمر في دفع رواتب لمراسليها، إلا أن هذه الرواتب بالكاد تفي بسد الحاجات الأساسية، إن لم تكن غير مجدية تمامًا. النظام المصرفي في غزة شبه معطل، والوسيط الذي يقوم بتحويل الأموال من الخارج يقتطع ما يقارب 40% من المبلغ، بينما ترتفع أسعار السلع – إن توفرت – إلى مستويات خيالية، بفعل الحصار وتضاؤل الإمدادات.
الوضع المعيشي وصل حد الانهيار الكامل. الصحفيون هناك لا يجدون ما يأكلونه، ولا يمتلكون وقودًا للتنقل، ولا كهرباء لتشغيل معداتهم. وتقول الوكالة إن فريقها بات يتنقل سيرًا على الأقدام أو باستخدام عربات تجرها الحمير، لأن التنقل بالسيارات يعني المجازفة بأن يكونوا هدفًا مباشرًا للطائرات الإسرائيلية.
تتابع الوكالة في بيانها: “إنهم شباب، لكن قواهم تخبو. معظمهم لم يعد لديهم القدرة الجسدية على التجول داخل القطاع لممارسة عملهم. رسائلهم اليومية أصبحت ممزقة ومؤلمة. باتوا غير قادرين حتى على نقل الأخبار لنا من هناك”.
وتنقل الوكالة عن بشار قوله في رسالة لاحقة: “للمرة الأولى، أشعر أنني مهزوم. أكثر من ثلاث سنوات من الجحيم، ولم نعد نجد الكلمات لنشرح للعالم أننا نعيش يوميًا بين الموت والجوع. أتمنى أن يساعدني الرئيس ماكرون في الخروج من هذا الجحيم”.
ما يحدث مع هؤلاء الصحفيين يعكس عمق الكارثة التي تمر بها غزة. فبحسب وزارة الصحة، أدى الجوع وسوء التغذية إلى وفاة أكثر من 900 فلسطيني، بينهم 71 طفلًا، إضافة إلى إصابة أكثر من 6000 شخص أثناء بحثهم عن الطعام. إنها أرقام تقشعر لها الأبدان، تشير إلى مجاعة حقيقية تضرب القطاع، وسط حصار خانق، وانهيار كامل للخدمات الصحية والغذائية.
المأساة الأكبر، كما تقول الوكالة، ليست فقط أن الصحفيين يُستهدفون في عملهم، بل أنهم اليوم يموتون بصمت لأنهم ببساطة لا يجدون ما يسد رمقهم. أكثر من 225 صحفيًا قُتلوا في غزة منذ بدء الحرب، ومع تصاعد المجاعة، قد تُسجَّل حالة وفاة جديدة لا بسبب القصف، بل بسبب الجوع.
تاريخ الوكالة الفرنسية الطويل، الممتد منذ عام 1944، لم يشهد من قبل احتمالًا كهذا: أن يفقد أحد أفرادها حياته لأنه لم يجد ما يأكله. الصحفيون الذين لطالما عملوا في ساحات القتال، وعاشوا تحت القصف في مناطق النزاع، يواجهون الآن عدوًّا أبطأ، لكن أكثر خُبثًا.. المجاعة.
لقد تحوّل الصحفي في غزة من ناقل للحقيقة إلى شاهد يختنق بها. وبينما يواصل العالم انشغاله، يُخطف صوت غزة من أفواه جائعة، وقلوب لم تعد تقوى على النبض.

