تألقت رمال قصر غيلان مساء الأربعاء 29 أكتوبر 2025 وهي تحتضن فعاليات الدورة الثانية للمهرجان الدولي للسينما في الصحراء الذي يقام للسنة الثانية على التوالي بولاية قبلي. فبعد النجاح اللافت الذي حققته الدورة التأسيسية السنة الماضية، توسّع حلم الهيئة المنظمة ليكبر هذا الحدث ويترسّخ كواحد من أهم التظاهرات السينمائية في الجنوب التونسي، وليكون امتداداً طبيعياً لشقيقه الأكبر، المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء الذي نجح في التحليق نحو العالمية باستقطابه عروضاً ونجوماً من مختلف دول العالم، محققاً هدفه الأسمى المتمثل في كسر العزلة الثقافية عن المناطق المهمشة وإحياء الحركية الفنية والسياحية في عمق الصحراء، حيث تتحول الرمال إلى فضاء سينوغرافي طبيعي يحتضن الإبداع ويمنحه بعداً بصرياً وإنسانياً فريداً.
افتتح الحفل باستقبال الضيوف على السجاد الأحمر المفروش فوق رمال الصحراء في مشهد مهيب جمع بين سحر الطبيعة وبهاء السينما، وذلك بحضور والي ولاية قبلي ومعتمدي الجهة وعدد من المندوبين الجهويين للشباب والرياضة والثقافة من ولايتي قبلي ومدنين. وفي كلمته الافتتاحية استلهم مدير المهرجان أبياتاً من شعر الراحل جمال الصليعي قائلاً: “عندي حلمي شاغلني نباه نزرع وطن ونخصب ثراه”، ليؤكد أن الدورة الثانية هي تجسيد لحلم جماعي يرى في الصحراء بوابة للإبداع وفضاء رحباً لصناعة صورة مغايرة لما اعتاده المشاهد عن الجنوب. وأوضح أن اختيار الجزائر ضيف شرف هذه الدورة جاء تقديراً لعلاقات الجوار الثقافي والفني، مشيراً إلى أن البرنامج يتضمن عروضاً وورشات تكوينية ولقاءات يومية ومسابقات تسعى إلى تثمين سينما القرب ودعم الشباب المبدع، إلى جانب تسليط الضوء على الحصن الروماني المنسي بقصر غيلان وتحويله إلى معلم سينمائي حيّ يروي حكاية المكان.
من جانبه عبّر والي قبلي معز العبيدي عن سعادته باحتضان الولاية لهذا العرس السينمائي، موجهاً تحية تقدير إلى هيئة المهرجان على مجهودها في إنجاح الدورة الأولى، ومتمنياً النجاح والتوفيق للدورة الحالية التي تمثل قيمة مضافة للمنطقة وسكانها. كما أكد الرئيس الشرفي للمهرجان صالح الجدي أن نجاح الدورة السابقة كان دافعاً قوياً لمواصلة البناء وتطوير الفقرات نحو الأفضل، مشيراً إلى أهمية دعم الإنتاجات المشتركة بين بلدان المغرب العربي ومثمّناً الحضور الفلسطيني في المهرجان بقوله إننا جميعاً نحمل نفس الهمّ الثقافي والإنساني.
وشهد حفل الافتتاح مفاجأة فنية مميزة حين صعد الفنان رؤوف ماهر، نجم الأغنية الجنوبية، إلى الركح بمرافقة الشاعر الصحبي شعير، ليقدما عرضاً غنائياً شعرياً عفوياً تفاعل معه الحاضرون بحرارة. وأكّد ماهر أنه أصر على الحضور لمشاركة الجمهور فرحة هذا الحدث، معبّراً عن دعمه لكل المبادرات الثقافية الهادفة إلى إحياء الجنوب فنياً، ووعد بأن يكون حاضراً في الدورات القادمة مجاناً تشجيعاً لهذا المشروع الثقافي الواعد.
وفي فقرة التكريمات، تم الاحتفاء بالمخرجة الكبيرة سلمى بكار التي عبّرت عن سعادتها بالمشاركة في مهرجان ينمو بثبات رغم حداثة تجربته، مؤكدة أن اللقاء بجمهور الصحراء يحمل نكهة مختلفة. كما تم تكريم الممثلة والناقدة سعاد بن سليمان التي نوّهت بديناميكية الدورة الثانية وبالقيمة الفنية للأسماء المشاركة في فعالياتها.
واستمتع الحاضرون بعرض جميع الأفلام المشاركة من تونس والجزائر والمغرب والسعودية والأردن وسوريا وسلطنة عمان وفرنسا وإسبانيا، تزامناً مع تقديم لجان التحكيم والمشرفين على الورشات التي توزعت بين الإخراج بإشراف زياد ليتيم، والموسيقى والصورة بإشراف الفنان كريم الثليبي، والفضاء والسينما تحت إشراف إسكندر التليلي، وورشة الممثل أمام الكاميرا التي تشرف عليها دانييلا جوردانو، إضافة إلى ورشة الرسم على الرمال مع الفنان الحبيب الغرابي، وورشة الصور المتحركة بإشراف صفاء معتوقي، وورشة الفيلم الوثائقي التي تشرف عليها مروى الشرقاوي.
أما فقرة الختام فقد كانت لوحة فنية بصرية ساحرة بعنوان “شريط الافتتاح بالرسم على الرمال”، قدمها الفنان التشكيلي الحبيب الغرابي بأسلوبه المتفرّد، حيث رافق الحكواتي صالح الصويعي في سرد حكاية من التراث الشعبي تروي أصل تسمية قصر غيلان ومكانته في التاريخ الإنساني، في عرض جمع بين الشعر والصورة والموسيقى برفقة الفنان كريم الثليبي، مجسداً تزاوج الفنون في قلب الصحراء ومؤكداً أن الإبداع حين يلتقي بالطبيعة يولد فناً خالصاً للإنسان والذاكرة والهوية.


