صورة تحليلية بحسب الدراسة للتصدع الافريقي الجيولوجي © وسائل التواصل الاجتماعي (Michael Nagy - Satellite Mapping and Remote Sensing Research)
تشهد قارة أفريقيا تحولًا جيولوجيًا عميقًا يكاد يكون غير مسبوق في التاريخ الحديث، حيث أكدت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Geoscience أن القارة بدأت تنقسم تدريجيًا إلى قسمين، وسط نشاط جيولوجي متزايد في باطن الأرض تحت شرق أفريقيا، وبشكل خاص في منطقة عفر بإثيوبيا. هذه الظاهرة التي قد تستمر لملايين السنين، تحمل في طياتها ولادة محيط جديد يشق طريقه بين الكتلتين المنفصلتين، مما سيغير خريطة القارة بشكل جذري.
ينبع هذا الانقسام من صدع إفريقي شرقي يمتد من خليج عدن في الشمال إلى موزمبيق جنوبًا على طول أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر. القياسات الحديثة تؤكد توسع هذا الصدع بمعدل يصل إلى 6 أو 7 مليمترات سنويًا، وهو ما يؤكد فرضية انفصال شرق أفريقيا تدريجيًا عن بقية القارة. الأدهى من ذلك أن هذه الحركة لا تقتصر على مجرد انزياح في الصفائح التكتونية على السطح، بل هي مدفوعة بقوى عميقة في باطن الأرض، حيث تصعد تيارات من الماجما من الأعماق لتضعف القشرة الأرضية وتؤدي إلى تشققها بشكل متكرر ومنتظم.
ويصف العلماء هذه الظاهرة كنبضات قلب تتردد في أعماق الأرض، تنظم حركة وتطور الصدع وتعيد تشكيل جغرافية القارة ببطء وبثبات. منطقة عفر بالذات تحظى بأهمية خاصة، إذ تلتقي فيها ثلاث صفائح تكتونية رئيسية، وهي الصفيحة الإفريقية والصومالية والعربية، مما يجعلها من أكثر المناطق نشاطًا جيولوجيًا على الكوكب. ففي عام 2005، شهدت المنطقة انشقاقًا أرضيًا هائلًا طوله حوالي 60 كيلومترًا خلال أيام معدودة، وهو دليل واضح على سرعة التغيرات التي تحدث في هذه البقعة من الأرض.
مع تكرار هذه الظواهر، يتوقع العلماء أن أجزاء من شرق أفريقيا، تشمل الصومال، وأجزاءً من إثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، قد تنفصل تدريجيًا عن الكتلة الإفريقية الرئيسية، لتتشكل قارة جديدة ومن ثم محيط جديد يفصل بين الكتلتين، وذلك خلال فترة زمنية تقدر بين 5 إلى 30 مليون سنة. وعلى الرغم من بطء هذه العملية من منظور الإنسان، إلا أن تأثيراتها بدأت تظهر على السطح بالفعل من خلال زيادة النشاط البركاني والتشققات الأرضية المتكررة والزلازل التي تضرب المنطقة بشكل مستمر.
هذا الواقع الجيولوجي الجديد يفرض على دول المنطقة ضرورة أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار في التخطيط العمراني والبنى التحتية، كما يحتم عليها تطوير خطط تأهب ومواجهة للكوارث الطبيعية المحتملة. كما يذكّرنا هذا الانقسام بأن القارات ليست كيانات ثابتة، بل هي في حالة حركة وتغير دائمين عبر ملايين السنين، وأن التقدم العلمي والتقني في مجال الرصد الفضائي وأدوات القياس الحديثة يتيح لنا اليوم فرصة متابعة هذه التغيرات بدقة غير مسبوقة، والتنبؤ بمستقبل الأرض بعيون مفتوحة.

