افتُتحت مساء السبت 13 ديسمبر 2025، بقاعة الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، فعاليات الدورة السادسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، في حفل بهيّ جمع نخبة من صنّاع السينما التونسية والعربية والإفريقية، إلى جانب ضيوف أجانب مشاركين في مسابقات الأفلام ولجان التحكيم والأقسام الموازية، وقسم “سينما تحت المجهر”.
وشهد حفل الافتتاح حضورًا إعلاميًا لافتًا لممثلي وسائل الإعلام الوطنية والدولية، حيث نُقل الحدث في بث موحّد عبر القناة الوطنية الأولى (مؤسسة التلفزة التونسية) وعدد من المحطات الإذاعية التابعة لمؤسسة الإذاعة التونسية، في تأكيد جديد على المكانة الرمزية لهذا الموعد السينمائي العريق.
واستُهلّ الحفل بمقطع مؤثر من فيلم “نهلة” (1979) للمخرج الجزائري فاروق بلوفة، قدّمه عازف البيانو عمر الواعر في أداء منفرد حمل عنوان الحنين إلى موسيقى متفرّدة وموسيقار “يظل بيننا”، الراحل زياد الرحباني، في تحية وجدانية لمسيرته الفنية الغنية.
وكان الوسط الفني اللبناني والعربي قد ودّع زياد الرحباني يوم 26 جويلية 2025، بعد مسيرة استثنائية جمع فيها بين الموسيقى والمسرح والسينما. وشارك الراحل ممثلاً في فيلمي “نهلة” و“طيّارة من ورق”، كما وضع موسيقاه التصويرية لعدد من الأعمال السينمائية البارزة من بينها “عائد إلى حيفا”، “وقائع العام المقبل”، “بيروت، الفيلم المنزلي الأخير”، “متحضّرات” و“ظلال الصمت”.
وتبقى إسهامات زياد الرحباني انعكاسًا لحالة جمالية متفرّدة تمزج الحس الفني العميق بالنقد الاجتماعي والسياسي، حيث شكّل فنه فعل مقاومة ضد الرداءة والجمود، وجعل من الإبداع موقفًا ومن الموسيقى والسينما فضاءً للوعي والالتزام.
وفي إطار برمجتها، تحتفي الدورة السادسة والثلاثون لأيام قرطاج السينمائية، ضمن قسم “سينما تحت المجهر”، بسينمات أرمينيا والفلبين وإسبانيا. وأعلن مقدّم الحفل أمين بن حمزة عن برنامج تكريم خاص لعدد من الأسماء المؤسسة والمؤثرة في السينما الإفريقية والعربية، وهم: محمد الأخضر حمينة، سليمان سيسيه، بولين سومانوفييرا، وليد شميط، الفاضل الجزيري، إلى جانب الفنانة العالمية كلوديا كاردينالي، التي استُعرض شريط يوثّق مسيرتها الفنية وعلاقتها الوجدانية بتونس، البلد الذي وُلدت فيه.
ويأتي هذا التكريم تحيةً لأسماء تركت إرثًا سينمائيًا راسخًا في الذاكرة الجماعية، تتجلّى ملامحه في مختلف فعاليات أيام قرطاج السينمائية الممتدة من 13 إلى 20 ديسمبر الجاري.
كما منحت إدارة المهرجان “التانيت الشرفي” خلال حفل الافتتاح للمنتج السينمائي التونسي الكبير عبد العزيز بن ملوكة، تقديرًا لمسيرته الحافلة بالإنتاجات التونسية والأجنبية، حيث تسلّم الدرع من المخرج محمد دمق وسط تصفيق الحضور.
وأضاءت شاشة الافتتاح بصور أعضاء مختلف لجان التحكيم، من بينها لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة، والوثائقية الطويلة، والأفلام القصيرة وقرطاج للسينما الواعدة، إضافة إلى لجنة تحكيم مسابقة “العمل الأول” (جائزة الطاهر شريعة).
وعلى أنغام مقطوعة “بلا ولا شي” لزياد الرحباني، بصوت مريم العبيدي وعزف عمر الواعر، اعتلى مدير الدورة محمد طارق بن شعبان الركح، مرحّبًا بالحضور ومعبّرًا عن فخر تونس باستمرارية أيام قرطاج السينمائية كأعرق تظاهرة سينمائية في العالم العربي وإفريقيا.
وأكد بن شعبان أن أيام قرطاج السينمائية ستظل منصة للاحتفاء بالسينما وصنّاعها، ومساحة لتلاقح الأفكار وبناء الجدلية بين المرئي والسمعي والحسي والمعرفي، مشددًا على خصوصية المهرجان في تجديد ولادته مع كل دورة، مدعومًا بجمهور شغوف بالصورة الهادفة ونقاد وتقنيين وأكاديميين أثروا المشهد السينمائي التونسي.
واستحضر مدير الدورة مقولة المخرج العالمي مارتن سكورسيزي: “لا يمكننا أن نترك الصناعة تقتل السينما”، مؤكدًا أن نبراس “الأيام” سيظل حب السينما، وتقاسم التجارب الإبداعية، والدفاع عن سينما المؤلف. وعلى وقع هذه الكلمات، أعلن رسميًا افتتاح الدورة السادسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية.
ودعا مقدّم الحفل المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر إلى خشبة المسرح قبل عرض فيلم الافتتاح “فلسطين 36”، حيث عبّرت عن اعتزازها بعرض فيلمها لأول مرة في تونس، ضمن أيام قرطاج السينمائية، مؤكدة تقديرها العميق للشعب التونسي.
ويعود فيلم “فلسطين 36” إلى محطة مفصلية من تاريخ الشرق الأوسط، متناولًا بدايات الثورة الفلسطينية ضد الحكم البريطاني سنة 1936، والدعوة إلى الاستقلال، في ظل التحولات السياسية والاجتماعية المتسارعة آنذاك.
ويتتبع الفيلم شخصية “يوسف” بين منزله الريفي ومدينة القدس المتوترة، باحثًا عن أفق جديد يتجاوز الاضطرابات المتصاعدة في فلسطين، خاصة مع تزايد أعداد المهاجرين اليهود الفارّين من أوروبا الفاشية.
ويشارك في بطولة الفيلم نخبة من النجوم، من بينهم كامل الباشا، هيام عباس، ياسمين المصري، صالح بكري، كريم داود عناية، ظافر العابدين، إلى جانب الممثلين العالميين وليام كانينغهام وجيريمي آيرونز، وهو من كتابة وإخراج آن ماري جاسر.
متابعة إعلامية
واكب فريق نيو ميديا حفل افتتاح الدورة السادسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، وأنجز لكم هذه التغطية الشاملة من قلب الحدث.

