
في تحرك غير مسبوق يحمل دلالات دينية وسياسية عميقة، زار السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، مستوطنة “شيلو” الواقعة شمال شرق رام الله في الضفة الغربية، برفقة زوجته، حيث التقى رئيس مجلس المستوطنات يسرائيل غانتس، وتفقد مزرعة تضم خمس بقرات نادرة تُثير جدلاً واسعًا في الأوساط الدينية والسياسية على حد سواء.
رغم أن وزارة الخارجية الأميركية دأبت لعقود على النأي بنفسها عن أي زيارات دبلوماسية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن زيارة هاكابي تمثل خروجًا واضحًا عن هذا النهج، ما يعكس توجهاً جديداً تغلب عليه الأيديولوجيا الدينية أكثر من الاعتبارات السياسية.
تكتسب هذه البقرات التي نُقلت من ولاية تكساس الأميركية عام 2022 رمزية دينية خاصة لدى جماعات الهيكل المتطرفة، إذ يُعتقد وفقًا لتفسيرات التلمود والمشنا أنها تشكل عنصراً محورياً في طقوس التطهير التي تسبق بناء “الهيكل الثالث”، وهي رؤية تصطدم بشكل مباشر مع الوضع الديني والسياسي القائم في القدس، وخاصة على المسجد الأقصى.
يرى مراقبون أن هذه الزيارة لا يمكن قراءتها بمعزل عن الخلفية الفكرية للسفير هاكابي، الذي يُعرف بانتمائه للتيار الإنجيلي المسيحاني، وهو تيار يؤمن بأن دعم إسرائيل وتسريع خطواتها التوراتية شرط لعودة المسيح. هذا ما أكده الباحث المقدسي عبد الله معروف، الذي وصف الزيارة بأنها لا تعكس موقفاً دبلوماسياً بقدر ما تعكس نزعة لاهوتية خطيرة قد تُهدد الاستقرار الإقليمي.
هاكابي صرّح خلال زيارته بأنه لا يعترف بمصطلحات مثل “الضفة الغربية”، مفضلاً استخدام التسمية التوراتية “يهودا والسامرة”، كما اعتبر الوجود اليهودي في تلك المناطق “تجسيداً للحياة وفق شريعة الله”، مما أثار جدلاً واسعاً حول تحول الدور الأميركي من الوسيط إلى الداعم العقائدي للاستيطان.
الأكاديمي محمد هلسة يرى أن تصريحات ومواقف هاكابي تنتمي لتيار يتجاوز حتى الخطاب الصهيوني التقليدي، ويمثل “اليمين الديني المسيحاني الأميركي”، الذي يُعلي من شأن إسرائيل دينيًا لا سياسيًا فقط. ويرى أن خطورة هذه المقاربة تكمن في أنها تمنح الغطاء لمزيد من التوسع الاستيطاني وتسريع المشاريع الرامية لتغيير الوضع القائم في القدس، بما في ذلك استهداف المسجد الأقصى.
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن زيارة هاكابي لم تكن مجرد جولة عابرة، بل مؤشر على مسار دبلوماسي جديد يحمل في طياته تصورات نبوئية تسعى لتحقيقها على أرض الواقع، ما ينذر بتعقيدات إضافية في مشهد سياسي مأزوم أساسًا.