عادت حدة الخطاب العسكري في شبه الجزيرة الكورية إلى الواجهة من جديد، بعد أن توعّدت كوريا الشمالية بردّ “قوي وحازم” على التدريبات العسكرية المشتركة التي تعتزم كوريا الجنوبية والولايات المتحدة إطلاقها خلال الأيام القادمة، ووصفتها بأنها استفزاز مباشر وتهديد خطير للسلام في المنطقة.
وفي بيان صادر صباح اليوم الإثنين 11 أوت 2025، نقلته وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية، عبّر وزير الدفاع نو كوانغ شول عن رفض بلاده المطلق لهذه المناورات، قائلاً إن “قوات الجيش الشعبي لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد الواضح، وستمارس كامل حقها في الدفاع عن السيادة بكل ما تملك من قوّة”. وأضاف أن بلاده تعتبر هذه التدريبات “محاولة مبيّتة لجرّ المنطقة نحو مواجهة مفتوحة قد تخرج عن السيطرة”.
المناورات المرتقبة، والتي ستنطلق رسميًا في 18 أوت الجاري، وتستمر على امتداد 11 يومًا، تشمل تدريبات على القيادة والسيطرة وتعبئة القوات العسكرية، وتندرج ضمن إستراتيجية أمنية جديدة تهدف إلى مواجهة “التهديد النووي المتزايد” من كوريا الشمالية، بحسب تصريحات سابقة صادرة عن وزارتي الدفاع في كلٍّ من سيول وواشنطن.
لكن في تطوّر لافت، أعلن الطرفان أن جزءًا من التدريبات الميدانية الكبرى سيتم تأجيله إلى شهر سبتمبر المقبل، وذلك بسبب الظروف الجوية، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها محاولة من الرئيس الكوري الجنوبي الجديد لي جاه ميونغ لتخفيف حدة التوتر مع بيونغ يانغ، خاصّة وأنه انتُخب في جوان الفارط على خلفية خطاب يدعو إلى الحوار والانفتاح، عكس سلفه الذي تبنّى مواقف أكثر تشدّدًا.
ويُنظر إلى هذه التدريبات السنوية دائمًا من طرف كوريا الشمالية كذريعة محتملة لاجتياح أراضيها، وهو ما يدفعها في كل مرة إلى التهديد بالرد العسكري. غير أن تصريحات هذه السنة تحمل لهجة أكثر عدائية، وسط تحوّلات إقليمية ودولية متسارعة، أبرزها تقارب بيونغ يانغ المتزايد مع روسيا، وتسارع تطوير برنامجها النووي والباليستي، ما يجعل هامش الخطأ أضيق من أي وقت مضى.
ويرى محلّلون أن التصعيد الجديد يعكس رغبة كوريا الشمالية في فرض نفسها كلاعب استراتيجي لا يمكن تجاهله، خاصّة في ظل انشغال واشنطن بملفّات أخرى دولية على غرار الحرب في أوكرانيا والتوتر مع الصين في بحر الصين الجنوبي.
كما يُرجّح أن بيونغ يانغ تسعى من خلال التصعيد الكلامي إلى توجيه رسائل مزدوجة: واحدة إلى الداخل لحشد الرأي العام حول القيادة، وأخرى إلى الخارج للتأكيد على أن أي مساس “بسيادتها” لن يمرّ دون ثمن.
في المقابل، تواصل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة التأكيد على أن تدريباتهما “دفاعية بحتة”، وتهدف إلى رفع الجاهزية العسكرية لمواجهة أي طارئ، فيما تبقى الأجواء على الحدود الكورية مشحونة وقابلة للاشتعال في أي لحظة.

