غزة لا تموت بالقصف وحده بل تموت الآن بصمت ثقيل وخنق بطيء واحتضار طويل تتآكل فيه الأرواح كما يتآكل الجسد حين يُحرم من كسرة خبز أو قطرة ماء حيث ينهار كل شيء أمام مشهد فادح للخذلان تتلاشى فيه معاني الإنسانية وتتكشف فيه الوجوه الحقيقية لعالم لا يتحرك حتى أمام مجاعة تُرتكب عمدًا في حق شعب بأكمله منذ أكثر من 140 يومًا والاحتلال الإسرائيلي يغلق كل المعابر ويمنع دخول المواد الغذائية والدواء والوقود ويقطع كل شرايين الحياة عن قطاع غزة في سياسة تجويع ممنهجة تُستخدم كسلاح لإبادة السكان جماعيًا دون طلقة واحدة يلفظ الناس أنفاسهم الأخيرة على أرصفة الجوع وأمام أبواب المستشفيات التي فقدت كل شيء سوى الحزن والفزع والوجع آلاف العائلات تبحث عن حفنة طحين ولا تجد أكثر من نظرات أطفالهـا الهزيلة وهم يسقطون واحدًا تلو الآخر في مشهد لا يشبه إلا مشاهد المجاعات التاريخية التي كنا نظن أنها لن تتكرر في زمننا هذا
القطاع الذي يقطنه أكثر من مليونين ومئتي ألف إنسان بات على حافة كارثة إنسانية غير مسبوقة الأطفال يتضورون جوعًا المرضى يموتون بصمت الدواء مفقود وحليب الأطفال مفقود والوقود مفقود والماء مقطوع والخبز بات من المستحيلات وأصبح يباع في السوق السوداء بأسعار تفوق قدرة أي إنسان على الشراء وسط تدهور تام في النظام الصحي وعجز شبه كلي في المستشفيات التي تحولت إلى أماكن لاستقبال الموتى لا لعلاج المرضى الجميع ينتظر دوره في طابور الهلاك بينما العالم يكتفي بالمشاهدة دون أن يرفع إصبعًا واحدة لوقف هذه الإبادة
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أصدر بيانًا وصف فيه الوضع بأنه الأكثر خطورة منذ بدء العدوان مؤكدًا أن ما يحدث الآن هو موت جماعي بطيء وأن المجاعة لم تعد خطرًا قادمًا بل واقعًا يفتك يوميًا بأرواح الأبرياء الأطفال يموتون وهم يتضورون جوعًا النساء يبحثن عن الخبز في الأنقاض والشيوخ ينهارون على قارعة الانتظار بينما الاحتلال يواصل سياسة الحصار والتجويع والعالم يصم أذنيه ويغلق عينيه ويتواطأ بصمته المخجل الذي أصبح شريكًا في الجريمة
ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية بل جريمة كبرى تُرتكب في وضح النهار باستخدام الجوع كسلاح جماعي يستهدف الوجود الفلسطيني بأكمله أمام مرأى ومسمع من العالم دون أي رادع أو تحرك حقيقي لإنهاء هذه الكارثة وصمة عار لن تُمحى من ذاكرة البشرية وألم لن تُغفره الضمائر الحية غزة اليوم لا تطلب شيئًا سوى الحياة لا تطلب سوى شق طريق صغير لدخول الخبز والدواء وحليب الأطفال لا تطلب سوى أن يتوقف هذا الموت البطيء الذي صار مشهدًا يوميًا مألوفًا في شوارع المدينة الممزقة وأزقتها المكسورة ووجوه سكانها التي فقدت القدرة حتى على البكاء
هذا هو زمن السقوط الأخلاقي العالمي حيث يُترك شعبٌ بأكمله ليموت جوعًا بينما العالم المتحضر يكتفي بالتصريحات المتوازنة والمواقف الرمادية والبيانات الخجولة وكأن أرواح الأطفال تُقاس بالمصالح السياسية والتحالفات الاستراتيجية غزة اليوم لا تحتضر فقط بل تُباد جوعًا في جريمة موثقة بكل المقاييس وموصوفة في القانون الدولي بأنها إبادة جماعية فهل يبقى أحد على قيد الضمير ليستجيب لصرخة غزة الأخيرة قبل أن يبتلعها الظلام تمامًا
المصدر : وكالة الأناضول

