لم تكن تايوان على موعد مع يوم عادي. صباح الإثنين، تحولت الجزيرة إلى ساحة للعاصفة، حين اجتاحها إعصار “داناس” بقوة مدمّرة، مخلفًا وراءه ضحايا وجرحى ودمارًا واسع النطاق، في مشهد يعيد إلى الأذهان أعنف الكوارث الطبيعية التي عرفتها البلاد في العقود الأخيرة.
الإعصار، الذي بلغت سرعته 222 كيلومترًا في الساعة، ضرب بشكل غير متوقّع الساحل الغربي للجزيرة، وتحديدًا مقاطعة تشيايي، في حادثة تُسجّل لأول مرة في تاريخ الأعاصير التايوانية. هذا المسار غير المألوف قلب موازين الاستعدادات، حيث تركزت التحذيرات في العادة على الساحل الشرقي، وهو الأقل كثافة سكانية.
ضحايا في غفلة من الزمن
مع تقدم العاصفة إلى عمق اليابسة، توالت الأنباء عن الإصابات والضحايا. اثنان من المواطنين، تجاوزا الستين من العمر، لقيا حتفهما في ظروف مأساوية: الأول بعد توقف جهاز التنفس الاصطناعي بسبب انقطاع الكهرباء في منزله، والثاني بعد أن سقطت عليه شجرة ضخمة بينما كان يقود سيارته تحت المطر والريح.
في الأثناء، أُصيب ما لا يقل عن 491 شخصًا بجروح متفاوتة الخطورة، بعضهم نتيجة الحوادث المرورية والانهيارات، وآخرون بسبب تطاير الحطام والانهيارات الأرضية التي صاحبت هطول أمطار غزيرة تجاوزت 500 ملم في جنوب الجزيرة.
تايوان تغرق في الظلام
لم تتوقف الأضرار عند الأرواح. فقد غرق جزء كبير من البلاد في ظلام دامس، بعد أن تسبب “داناس” في قطع الكهرباء عن نحو نصف مليون منزل، بقي أكثر من 400 ألف منها بلا تيار كهربائي حتى صباح اليوم التالي، ما أثر بشكل مباشر على الخدمات الصحية والطوارئ، وفاقم من معاناة السكان في المناطق الأكثر تضررًا.
إجلاء جماعي وشلل في الحركة الجوية
استجابة لتزايد الخطر، نفذت السلطات عمليات إجلاء عاجلة، شملت أكثر من 3500 شخص من المناطق الجبلية، خصوصًا حول مدينة كاوهسيونغ الجنوبية، التي بدت وكأنها في مواجهة مباشرة مع غضب الطبيعة. كما أُلغيت 33 رحلة جوية دولية، فيما أغلقت بعض الطرق والأنفاق تحسبًا لانهيارات أرضية.
إعصار ينكسر ولكن لا يرحل بصمت
وبينما تتنفس تايوان الصعداء مع تراجع قوة الإعصار تدريجيًا أثناء توجهه نحو مضيق تايوان في طريقه إلى الساحل الصيني، يبقى الدمار شاخصًا، والجرح مفتوحًا. فالأعاصير قد تنتهي على الخرائط، لكن آثارها تستمر طويلًا في ذاكرة الشعوب.
ظاهرة مألوفة… ولكن ليست دائمًا رحيمة
رغم أن تايوان معتادة على الأعاصير، إذ تقع في منطقة “حزام الأعاصير” الذي يمتد من يوليو إلى أكتوبر، فإن معظم هذه العواصف تضرب السواحل الشرقية الأقل ازدحامًا، وتتيح الوقت الكافي للتحذير. أما “داناس”،
فقد خالف التوقعات، وكشف هشاشة الجاهزية حين تأتي الطبيعة من حيث لا تُتوقّع.

