في سابقة نادرة في الوسط الرياضي العالمي، دوّى صوت النجم المصري وهداف نادي ليفربول الإنجليزي، محمد صلاح، خارج المستطيل الأخضر، ليصطدم مباشرة بإحدى أضخم المؤسسات الكروية الأوروبية، حين تساءل علنًا: “قولوا لنا كيف مات، وأين، ولماذا؟” في تعليق على نعي باهت نشره الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) للاعب الفلسطيني الراحل سليمان العبيد، المعروف بلقب “بيليه فلسطين”.
نُشرت تغريدة صلاح مساء يوم 6 أوت 2025، وأرفقها بإعادة نشر بيان اليويفا، الذي اكتفى بعبارات مجاملة سطحية لوداع لاعب فلسطيني قُتل برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينما كان ينتظر مساعدات إنسانية جنوب قطاع غزة. وقد تجاوزت التغريدة عتبة 64 مليون مشاهدة في ظرف ساعات، ما جعل اسم محمد صلاح يتصدر الترند العالمي على منصات التواصل الاجتماعي بلغات عدّة، من بينها العربية والإنجليزية والإسبانية.
هذا التساؤل الصريح من صلاح لم يكن فقط تعبيرًا عن ألم شخصي تجاه مقتل رياضي، بل كان سؤالًا أخلاقيًا موجّهًا إلى المؤسسات الرياضية العالمية، وفي مقدمتها اليويفا، التي اختارت الصمت أو التعتيم حين تعلق الأمر بانتهاكات تُرتكب بحق رياضيين في مناطق النزاع، لا سيما في فلسطين. وجاء هذا الموقف وسط تزايد الانتقادات من جماهير ومراقبين لموقف مزدوج المعايير، حيث يُجري اليويفا إدانة سريعة لأي حدث سياسي يخص أوروبا، بينما يُمارس الحياد البارد عندما يُقتل رياضيون تحت القصف أو الرصاص في غزة.
ردود الفعل الدولية لم تتأخر. فقد خصّت صحيفة “الغارديان” البريطانية الحدث بمقال تحليلي أكدت فيه أن صلاح لطالما أعرب عن تضامنه مع المدنيين في غزة، لا سيما منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023. أما قناة “سكاي نيوز” البريطانية، فقد ذكّرت بمناشدة سابقة لصلاح دعا فيها إلى فتح الممرات الإنسانية لإدخال المساعدات إلى القطاع. من جانبها، اعتبرت صحيفة “ماركا” الإسبانية أن صلاح “لا يتكلم من أجل الأضواء، بل من أجل الحقيقة”، مشيدة بشجاعته في مخاطبة واحدة من أقوى الهيئات الرياضية في أوروبا. وذهبت صحيفة “التلغراف” إلى وصف نعي اليويفا بـ”الفارغ”، فيما رأت أن تساؤل صلاح “أربك المؤسسة التي اختارت تجنّب الاعتراف بالمسؤولية”.
في المقابل، اكتفى الاتحاد الأوروبي بعدم الرد، بينما لم يصدر أي تصريح من الجانب الإسرائيلي، رغم أن صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نقلت عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن الجيش “أطلق طلقات تحذيرية” على من اقتربوا من جنوده، نافيًا استهدافهم عمدًا، وهو ما يُناقض شهادات متواترة من مؤسسات إنسانية وحقوقية في الميدان.

أما سليمان العبيد، الذي قُتل يوم 5 أوت 2025، فلم يكن مجرد لاعب فلسطيني، بل كان أحد أعلام الكرة الفلسطينية خلال العقدين الماضيين. لعب في صفوف خدمات الشاطئ، وشارك في 24 مباراة دولية مع منتخب فلسطين، وسجّل خلالها أكثر من 100 هدف خلال مسيرة كروية امتدت لسنوات، توّج خلالها بلقب الدوري الفلسطيني موسم 2010-2011 مع فريق مركز شباب الأمعري في الضفة الغربية. ومنذ 2010، استقر العبيد في قطاع غزة، وكان أبًا لخمسة أطفال، قبل أن يلقى حتفه برصاص الاحتلال أثناء انتظار المعونة الإنسانية في الجنوب.
في بيان رسمي، أكد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أن حصيلة قتلى الأسرة الكروية منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي بلغت 325 شخصًا بين لاعبين ومدربين وحكام ومسؤولين رياضيين. وهي أرقام تُضاف إلى الخسائر اليومية البشرية التي يشهدها قطاع غزة منذ أكثر من تسعة أشهر.
محمد صلاح لم يكن أول من تحدّث عن غزة، لكنه بلا شك كان من أكثر الأصوات العالمية تأثيرًا حين اختار أن يكسر جدار الصمت، ويوجّه كلماته للجهة التي تدّعي “الحياد الرياضي”. لقد كشف، بكلمات قليلة، حجم المفارقة الأخلاقية التي تعيشها المؤسسات الرياضية الكبرى، بين شعاراتها وبين ممارساتها الفعلية.
إنّ موقف صلاح، الذي طالما عُرف بأعماله الخيرية ومساهماته في قضايا إنسانية عدّة، من بينها دعم ضحايا الزلازل والمجاعات، يُعيد النقاش إلى موقع الرياضي في قضايا الشعوب. هل يكتفي بمراوغة الكرة، أم يُسمح له أيضًا بأن يُعبّر عن مواقف؟ وهل تُحمى حياة الرياضي فقط إذا كانت تنتمي لدولة غربية، أم أن حياة “بيليه فلسطين” تستحق أن تُروى كاملة، لا أن تُختزل في سطر خالٍ من الحقيقة؟
في زمن تُستهدف فيه الملاعب والمدرجات كما تُقصف البيوت، لم تعد كرة القدم مجرد لعبة. وصلاح، الذي اختار أن يسأل بدل أن يصفّق، ذكّرنا بأن الرياضة بلا إنسانية مجرّد استعراض، وبأن موت العبيد ليس مجرّد خبر، بل قضية.
رابط التدوينة

