في خضم الانهيار الإنساني والأمني الذي يشهده قطاع غزة منذ أكثر من عام، تداولت منصات التواصل الاجتماعي في العاشر من أوت 2025، مقاطع مصورة تُظهر قيام عناصر من كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق أفراد اتُّهموا بسرقة مساعدات إنسانية موجهة للمدنيين، وذلك في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة.
الصور والفيديوهات، التي انتشرت بشكل واسع، أظهرت مشاهد لمقاتلين ملثّمين وهم يُحرقون سيارة قالوا إنها تعود لأحد “لصوص المساعدات”، وسط صيحات التكبير من بعض الحاضرين في المكان، في وقت تُعاني فيه غزة من شحّ شديد في الموارد، وانتشار الجوع، وتدهور الأمن بشكل غير مسبوق.
ووفق ما أوردته وسائل إعلام فلسطينية محلية، فإن العملية نُفذت بالتنسيق بين كتائب القسام ووحدة “سَهم” التابعة لوزارة الداخلية، بهدف ما وصفوه بـ”فرض القانون وإعادة الانضباط” بعد تكرار حوادث نهب شاحنات المساعدات. وقد صرّح مسؤولون محليون أن هذه العصابات لا تعمل بشكل عشوائي، بل هي مجموعات منظمة، مدعومة بالسلاح، استغلت الفوضى الناتجة عن الحرب والانهيار المؤسسي لتمارس السرقة والابتزاز، في ظل غياب شبه تام لسلطة الدولة وأجهزتها التقليدية.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي الشامل على غزة في أكتوبر 2023، ومع تصاعد حدة الدمار والقتل والتجويع، أصبحت شاحنات المساعدات هدفًا متكررًا لعمليات السطو، خاصة في المناطق التي انسحبت منها القوات النظامية الفلسطينية بفعل القصف المكثف. التقارير الأمنية تشير إلى أن بعض هذه العصابات تحظى بتسهيلات مباشرة أو غير مباشرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتعمّد – بحسب اتهامات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة – استهداف العناصر التي تقوم بتأمين قوافل الإغاثة، ما يؤدي إلى إضعاف قدرتها على الوصول إلى الفئات المتضررة، ويفتح المجال لسرقتها من قبل عناصر محلية خارجة عن السيطرة.
وفي تصريح سابق نُشر خلال شهر نوفمبر 2024، أكدت مصادر في وزارة الداخلية في غزة أن أكثر من عشرين فردًا من أفراد هذه العصابات قد قُتلوا في عملية أمنية كبيرة نُفذت بالتنسيق مع لجان عشائرية محلية، في محاولة للحد من تمدد هذه الظاهرة، التي وصفها المسؤولون بأنها “تخدم أهداف الاحتلال في خلق مزيد من الفوضى والتجويع الممنهج”.
منظمات الإغاثة الدولية، وعلى رأسها الصليب الأحمر وبرنامج الغذاء العالمي، اشتكوا بدورهم من العراقيل الإسرائيلية التي تعترض عمليات التوزيع. وقد كشفت صحيفة واشنطن بوست أن السلطات الإسرائيلية رفضت مرارًا مقترحات تقدم بها ممثلو هذه المنظمات للسماح بوجود قوات شرطة محلية مدنية ترافق الشاحنات لتأمينها، وهو ما يُفسر، حسب مراقبين، وجود نية واضحة لتفكيك البنية المجتمعية في غزة عبر تجويع الناس وتركهم فريسة للفوضى.
الأرقام المعلنة حتى اليوم تعكس حجم الكارثة التي يعيشها القطاع: أكثر من 61 ألف شهيد، و152 ألف جريح، وتدمير واسع طال المنازل والمستشفيات والمدارس والمخابز والبنى التحتية الحيوية. المشهد العام يُشبه، بحسب تقارير محلية ودولية، ما حدث في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، من حيث حجم الدمار وسرعة الانهيار.
في ظل هذا الواقع الكارثي، تجد المقاومة الفلسطينية نفسها مضطرة أحيانًا إلى لعب أدوار الدولة، بما في ذلك فرض الأمن بطرق قاسية وغير تقليدية، مثل الإعدامات الميدانية، التي تثير جدلًا قانونيًا وأخلاقيًا كبيرًا، لكنها في نظر بعض السكان تُعدّ “حتميّة” للجم الانفلات وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، في وقت تحوّل فيه الحصول على كيس طحين أو عبوة حليب إلى مسألة حياة أو موت.
ومع ذلك، فإن ما حدث في حي الشيخ رضوان يفتح بابًا مؤلمًا للتساؤل: هل يُمكن تحقيق العدالة في غياب القانون؟ وهل يُمكن مواجهة فوضى التجويع والتفكك الاجتماعي بإجراءات استثنائية؟ أسئلة تبقى معلقة في سماء غزة الملبدة بالدخان والدم، بينما لا يزال سكانها يبحثون عن فسحة أمل في زمن الحرب المفتوحة.
الفيديو التي بثته كتائب القسام :

