في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الجمعة، جامعة كاليفورنيا بدفع غرامة هائلة تبلغ قيمتها مليار دولار، متهمًا إياها بالتقاعس عن مواجهة ما وصفه بمظاهر معاداة السامية خلال موجة الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. هذا التحرك أثار حالة من الصدمة داخل الأوساط الأكاديمية، واعتُبر تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير ومبدأ استقلال المؤسسات التعليمية.
الرئيس التنفيذي لنظام جامعة كاليفورنيا، جيمس ميليكين، عبّر عن قلق بالغ تجاه هذه المطالبة، موضحًا أن الغرامة المقترحة تفوق بخمسة أضعاف المبلغ الذي دفعته جامعة كولومبيا في تسوية مماثلة مع الحكومة الفدرالية، مشيرًا إلى أن مثل هذه العقوبة قد تدمّر فعليًا الهيكل المالي والأكاديمي للجامعة التي تُعد من كبرى المؤسسات العامة في البلاد، وتشرف على عشر جامعات ومراكز بحثية رائدة. وأكد ميليكين أن مجلس الإدارة تلقّى رسميًا طلب وزارة العدل وهو بصدد مراجعته بعناية، في وقت تشهد فيه الجامعة توترًا متصاعدًا مع الإدارة الفدرالية.
رد الفعل الأقوى جاء من حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، الذي وصف الغرامة بأنها شكل من أشكال الابتزاز السياسي، متهمًا إدارة ترامب بمحاولة إسكات الأصوات المعارضة داخل الحرم الجامعي تحت غطاء قانوني. وأكد نيوسوم أن الولاية لن تقف مكتوفة الأيدي، معلنًا نية حكومته مقاضاة الرئيس ترامب ومؤسسات إدارته، ورافضًا ما أسماه محاولات فرض الرقابة على الفكر الحر والبحث الأكاديمي. كما شدّد على أهمية نظام جامعة كاليفورنيا باعتباره أحد ركائز الاقتصاد الأميركي، ومصدرًا لإنتاج المعرفة والابتكار، ومنصة لتخريج عدد كبير من العلماء والمهندسين والحائزين على جوائز نوبل.
الغرامة التي طالبت بها إدارة ترامب لم تكن الإجراء الوحيد، إذ رافقها قرار بتجميد أكثر من نصف مليار دولار من المنح الفدرالية التي كانت مخصصة لبرامج تعليمية وأبحاث متقدمة داخل الجامعة. كما طلبت الإدارة مبلغًا إضافيًا قدره 172 مليون دولار كتعويض للطلاب اليهود وغيرهم ممن قيل إنهم تعرّضوا لأضرار نفسية أو اجتماعية نتيجة “التمييز” المزعوم الذي واكب الاحتجاجات المناهضة للحرب.
يُذكر أن هذه الخطوة تأتي في أعقاب اتفاق تم التوصل إليه مع جامعة كولومبيا، التي وافقت على الالتزام بسلسلة من الشروط مقابل إسقاط التهم، من بينها وقف مراعاة العرق في سياسات القبول والتوظيف، وهو ما أثار حفيظة العديد من المدافعين عن حقوق الأقليات والتعليم العادل. ويبدو أن الإدارة تسعى لتكرار هذا النموذج مع جامعة هارفارد ومؤسسات أخرى، مما يعكس توجّهًا متزايدًا نحو التدخل في شؤون الجامعات بدوافع سياسية.
حملة ترامب ضد الجامعات ليست جديدة، إذ دأبت حركته “لنجعل أميركا عظيمة مجددًا” على تصوير الأوساط الأكاديمية على أنها بيئات نخبوية، ليبرالية مفرطة، ومعادية للهوية القومية التي يتبناها أنصاره. ويشير منتقدو هذه السياسات، ومن ضمنهم جماعات يهودية مؤيدة لحقوق الفلسطينيين، إلى أن الإدارة تخلط عمدًا بين انتقاد الحرب الإسرائيلية وسياسات الاحتلال، وبين معاداة السامية، في محاولة لتقويض الحراك الطلابي الواسع الذي عمّ عشرات الجامعات الأميركية خلال العام الماضي، احتجاجًا على الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل.
الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي واجهت قمعًا واسع النطاق، شمل تدخلات شرطية، واعتقالات، وتفكيك مخيمات الاعتصام بالقوة، ما دفع بالرئيس السابق جو بايدن إلى الدعوة لـ”استعادة النظام”، في مشهد أعاد إلى الأذهان أجواء الصراعات السياسية والثقافية التي عاشتها الجامعات الأميركية خلال فترات التوتر التاريخي.
في ظل هذا التصعيد، يبدو أن الصراع بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الأكاديمية سيأخذ منحى أكثر تعقيدًا، مع ما يحمله من تداعيات خطيرة على مستقبل الحريات داخل الجامعات، وعلى قدرة الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية في التعبير عن آرائهم إزاء قضايا سياسية وأخلاقية كبرى، مثل العدوان على غزة وحقوق الشعب الفلسطيني.
المصدر : وكالات

