في كواليس واحدة من أكثر المواجهات الإقليمية حساسية، كشفت شبكة “سي إن إن” الأميركية عن أن الولايات المتحدة استنفدت ما يقارب 25% من مخزونها الاستراتيجي من صواريخ “ثاد” الدفاعية خلال الحرب القصيرة التي اندلعت بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي. هذه الحرب، التي استمرت 12 يومًا، لم تترك أثرها في الشرق الأوسط فحسب، بل طرحت أيضًا تساؤلات حادة داخل وزارة الدفاع الأميركية حول الجاهزية العسكرية الأميركية في الأزمات المفاجئة.
ووفقًا لمصدرين تحدثا للشبكة، فإن القوات الأميركية أطلقت بين 100 و150 صاروخًا من طراز “ثاد” لاعتراض الصواريخ الباليستية الإيرانية التي أُطلقت في أعقاب الهجمات الإسرائيلية المفاجئة على أهداف إيرانية. يُذكر أن نظام “ثاد” (Terminal High Altitude Area Defense) يُعد من أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي تطورًا في الترسانة الأميركية، وتُقدّر تكلفة الصاروخ الواحد منه بحوالي 15 مليون دولار، ما يجعل هذا الاستهلاك العسكري حدثًا مكلفًا واستثنائيًا في توقيته وسياقه.
مع تزايد المؤشرات على تراجع المخزون الدفاعي الاستراتيجي، عبّر عدد من المسؤولين العسكريين الأميركيين السابقين، إضافة إلى خبراء استراتيجيين، عن قلقهم من هذا الاستنزاف السريع الذي جرى في فترة زمنية قصيرة، وبعيدًا عن أراضي الولايات المتحدة. ويرى مراقبون أن استخدام هذا الكم من صواريخ “ثاد” في الدفاع عن إسرائيل يعكس حجم التزام واشنطن بأمن تل أبيب، لكنه في الوقت ذاته يُعرّي ثغرات لوجستية قد تكون خطيرة في حال نشوب نزاع آخر، خصوصًا في المحيطين الهادئ أو الأطلسي.
وزارة الدفاع الأميركية سعت إلى احتواء هذه المخاوف، إذ صرّح متحدث باسم البنتاغون بأن “الجيش الأميركي لا يزال يتمتع بكامل قوته، ويملك القدرات المطلوبة لتنفيذ أي مهمة في أي مكان من العالم”. لكن هذه التصريحات لم تمنع تصاعد القلق من أن مثل هذه الالتزامات الخارجية قد تؤثر مستقبلاً على قدرة واشنطن على إدارة أكثر من صراع في وقت واحد.
“ثاد”: درع الجو الأميركي والخصم الصامت للصين وروسيا
يُذكر أن منظومة “ثاد” تُستخدم لاعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة وحتى الطويلة المدى، وتتميّز بقدرتها على اعتراض الأهداف داخل وخارج الغلاف الجوي، ما يجعلها خط الدفاع الأعلى ضمن شبكة الأنظمة الأميركية المتعددة، التي تشمل أيضًا نظام “باتريوت” ونظام “إيجيس” البحري. وقد نشرت واشنطن هذه المنظومة في عدة دول حليفة، من بينها الإمارات وإسرائيل، رغم اعتراض كل من الصين وروسيا على نشرها في مناطق مثل كوريا الجنوبية، باعتبارها تهديدًا لتوازن الردع.
الحرب بين إسرائيل وإيران التي اندلعت يوم 13 يونيو/حزيران الماضي، جاءت بعد فترة توتر متصاعد وتبادل تهديدات. ووفق معطيات عدة، فقد بدأت بضربة إسرائيلية مفاجئة ضد منشآت داخل إيران، لترد طهران بسلسلة من الهجمات الصاروخية والمسيّرة، بعضها استهدف إسرائيل مباشرة، والبعض الآخر طال مواقع أميركية في المنطقة.
استمرت المواجهة 12 يومًا وأسفرت عن مئات القتلى والجرحى، قبل أن تتدخل واشنطن لفرض وقف لإطلاق النار في 24 يونيو، ضمن اتفاق هش حاول فيه كل طرف الادعاء بتحقيق مكاسب ميدانية أو سياسية.
في خلفية هذا التصعيد العسكري، كانت مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن بشأن الملف النووي الإيراني تدور بصمت، لكن الحرب علّقت المسار التفاوضي وأدخلته مرحلة جديدة من الجمود. وبينما تسعى واشنطن لإعادة ضبط استراتيجيتها في الشرق الأوسط، بات واضحًا أن كل تدخل عسكري خارج أراضيها لا يخلو من كلفة استراتيجية باهظة — سواء من حيث القدرات أو السمعة أو الجاهزية.

