في مشهد يعكس تصاعد الوعي الإنساني وتنامي الضغوط الشعبية في الهند، اجتمع عدد من كبار قادة المنظمات الإسلامية، اليوم الإثنين، في العاصمة نيودلهي، لإطلاق نداء واضح ومباشر إلى الحكومة الهندية: آن الأوان للوقوف بوضوح إلى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
المؤتمر الصحفي، الذي عُقد بنادي الصحافة الوطني، لم يكن مجرد لقاء رمزي، بل منصة قوية وموحدة جمعت طيفًا واسعًا من القيادات الدينية والفكرية الإسلامية، من بينهم سعادة الله الحسيني، رئيس الجماعة الإسلامية في الهند، والعالم السلفي البارز علي أصغر إمام مهدي، والشيخ الشيعي محسن تقوى، بالإضافة إلى الدكتور ظفر الإسلام خان، رئيس مفوضية الأقليات السابق وأحد أبرز الأصوات المدافعة عن القضية الفلسطينية في شبه القارة الهندية.
جاءت الرسائل واضحة وحاسمة: ما يجري في غزة ليس مجرد صراع سياسي أو حرب تقليدية، بل عملية إبادة جماعية ممنهجة تُرتكب في وضح النهار، وتُشاهد مباشرة على شاشات العالم، بينما يواصل المجتمع الدولي – ولا سيما القوى الغربية الكبرى – التواطؤ بالصمت أو بالدعم العسكري والسياسي المفتوح للمعتدي.
وفي كلمته، شدد الدكتور ظفر الإسلام خان على أن ما يحدث ليس فقط كارثة إنسانية، بل انهيار حقيقي للنظام الدولي الذي بُني على أنقاض حروب وأزمات، واستغرق قرابة قرن ونصف من الزمن لتثبيت قواعده. “اليوم تُقتل القوانين الدولية قبل أن يُقتل الأبرياء”، قال خان، في إشارة إلى استمرار الدعم الأمريكي والبريطاني لإسرائيل، على الرغم من إدانات واسعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى الرغم من صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين كبار.
وأكد خان أن هذه الإبادة المستمرة في غزة تتم على مرأى ومسمع العالم، حيث يُقتل الناس وهم يصطفون للحصول على فتات من الغذاء والماء، بينما تتجاهل الحكومات الغربية معاناة المدنيين وتستمر في تزويد إسرائيل بالسلاح والدعم.
من جهته، اعتبر سعادة الله الحسيني أن دعم الفلسطينيين ليس فقط مسؤولية أخلاقية، بل التزام تاريخي للهند التي كانت دومًا إلى جانب الشعوب المستضعفة. وذكّر الحسيني بأن موقف الشعب الهندي الداعم لفلسطين يمتد إلى ما قبل استقلال البلاد، وهو ما يجعل من الواجب على الحكومة الحالية أن تستعيد ذلك الخط الثابت في سياستها الخارجية.
ولم تقتصر الدعوات على الجانب الرسمي فقط، بل طالت المجتمع المدني والشركات والمؤسسات الاقتصادية، حيث طالب المتحدثون بضرورة مقاطعة كل من يدعم العدوان الإسرائيلي أو يربح من تجارة السلاح الموجهة ضد المدنيين.
في نهاية المؤتمر، خلُص القادة إلى أن التضامن مع فلسطين ليس مجرد تعبير عن إنسانية عابرة، بل هو موقف مبدئي من أجل العدالة العالمية. وكما قال خان: “حين نقف مع غزة، فنحن لا نناصر فقط شعبًا مظلومًا، بل ندافع عن أنفسنا، عن قيم العدالة، وعن فكرة أن هذا العالم يجب أن يُدار بالقانون، لا بمنطق الغابة”.
وسط صمت رسمي دولي مطبق، تتحول الأصوات الحرة من جنوب آسيا إلى أحد آخر الخطوط الدفاعية عن الضمير الإنساني. وفيما تمضي آلة الحرب في التهام أرواح الأبرياء، تبقى مثل هذه المبادرات بمثابة تذكير للعالم أن هناك من لا يزال يؤمن بالعدل… ويجاهر به.

