في مشهد يعيد إلى الأذهان لغة الحرب الباردة ونبرة التحدي العسكري، أطلق الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خطابًا تصعيديًا جديدًا ضد الولايات المتحدة، مؤكدًا أن بلاده “ستمضي قدمًا في معركتها ضد الإمبريالية وستحقق النصر المؤكد”. وجاءت هذه التصريحات خلال زيارته لمتحف الحرب في العاصمة بيونغ يانغ، بمناسبة الذكرى السنوية الـ71 لتوقيع هدنة الحرب الكورية، التي تصادف يوم 27 جويلية.
رغم أن تلك الهدنة لم تُختتم باتفاق سلام رسمي، ولا تزال من الناحية القانونية تُعتبر وقفًا مؤقتًا للقتال لا نهاية للنزاع، تحتفي كوريا الشمالية بهذا التاريخ باعتباره “يوم النصر”، وترى فيه لحظة مفصلية في تاريخ صمودها العسكري والسياسي. وبالنسبة لكيم، لم تكن المناسبة مجرد إحياء رمزي لتاريخ قديم، بل فرصة جديدة لإرسال رسائل مشفّرة وواضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
فقد شدّد كيم، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية، على أن كوريا الشمالية “ستواصل بناء جيش قوي، ودولة لا تُقهر”، وأنها لن ترضخ لأي ضغط خارجي، مضيفًا: “نحن لا نخشى المواجهة، وسننتصر لأننا على حق”.
وتأتي تصريحات كيم في سياق من التوتر المتصاعد بين بلاده وواشنطن، لا سيما بعد أن أعادت وزارة الخارجية الأميركية إدراج كوريا الشمالية على قائمتها السنوية للدول “غير المتعاونة بالكامل” مع جهود مكافحة الإرهاب. وهو تصنيف ردّت عليه بيونغ يانغ بغضب، واعتبرته “استفزازًا عدائيًا لا معنى له”، مؤكدة أن “العداء بين البلدين بلغ مرحلة يصعب معها الحديث عن حلول دبلوماسية”.
في السنوات الأخيرة، ورغم العقوبات الدولية الخانقة، واصل النظام الكوري الشمالي تجاربه الصاروخية وتطوير برنامجه النووي، ضاربًا عرض الحائط بالتحذيرات الأميركية، في حين يرى مراقبون أن الخطاب التصعيدي الذي يكرره كيم بين الحين والآخر، بات جزءًا من استراتيجية الردع التي تعتمدها بيونغ يانغ لإثبات حضورها في معادلات القوة الإقليمية.
الاحتفال بـ”نصر غير مكتمل” في حرب لم تُغلق رسميًا، واستخدامه كمنصة للتعبئة الوطنية والتلويح بالقوة، لم يعد مجرّد سردية داخلية. بل تحوّل إلى ورقة ضغط سياسية ودبلوماسية تُشهرها كوريا الشمالية كلما اشتدّ عليها الخناق أو اشتعل التوتر شرق آسيا.
وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى حشد دعم إقليمي أوسع لمواجهة التهديدات النووية القادمة من بيونغ يانغ، يبدو أن النظام الكوري الشمالي مُصمم على المضي قدمًا في خياراته مهما كانت الكلفة، متكئًا على تحالفات جديدة، وتوازنات دولية أكثر سيولة من أي وقت مضى.
يبقى السؤال: هل يظل هذا التصعيد في حدود الخطاب الرمزي؟ أم أن شبه الجزيرة الكورية تتجه نحو جولة جديدة من المواجهة غير المباشرة التي قد تتجاوز الكلمات في لحظة ما.. ؟

