رغم أن مهرجان قرطاج الدولي ظل لعقود عنوانًا للفن الراقي والبرمجة الرفيعة والاحتراف في التنظيم، فإن دورته التاسعة والخمسين جاءت مشوّشة، متعثرة، ومخيّبة للآمال على أكثر من صعيد، وأولها الصعيد التنظيمي والإعلامي. فالصورة التي انطبعت في أذهان كثير من الإعلاميين هذا العام، لم تكن عن عروض فنية مبهرة أو لحظات إبداعية ساحرة، بل عن فوضى إدارية، وسوء تنسيق.
المكتب الإعلامي، الذي يُفترض أن يكون الواجهة المهنية للمهرجان، تحول إلى نقطة ضعف صارخة. فقد سُجّل خلال هذه الدورة منح عدد من الشارات الصحفية لأشخاص لا علاقة لهم بالصحافة لا من قريب ولا من بعيد، بعضهم لا يملك أي بطاقة صحفي، ولا ينتمي لأي مؤسسة معروفة. في المقابل، تم استبعاد عدد من الصحفيين المحترفين، ومنصات إعلامية رقمية مؤثرة، اعتادت تغطية فعاليات المهرجان لسنوات، وقدّمت محتوى جادًا نال نسب مشاهدة عالية ولاقى صدى لدى الجمهور التونسي والعربي.
منصة “بلاتفورم نيو ميديا تي في” كانت من أبرز المتضررين من هذا الخلل، حيث أعرب فريقها عن استغرابه الشديد من قرار إقصائه من التغطية، رغم أنه قدّم ملفًا مكتملًا واستوفى جميع الشروط المطلوبة. وقد دأب هذا الفريق، طيلة السنوات الماضية، على إنتاج محتوى احترافي حول مهرجان قرطاج وغيره من التظاهرات الفنية، وتمكّن من بناء جمهور متابع وفاعل. لكن في هذه الدورة، حُرم دون أي مبرر واضح، في حين فُتحت الأبواب أمام هواة ومنتحلي صفات، لم يُعرف لهم إنتاج أو تغطية ذات قيمة.
هذا الوضع يُثير الكثير من الأسئلة الجدية حول معايير العمل داخل إدارة المهرجان، ومدى احتكامها إلى المهنية والشفافية. فهل أصبح الحصول على شارة صحفية رهين الولاءات الشخصية والعلاقات الخاصة؟ وهل يُعقل أن يتحول أحد أكبر المهرجانات في تونس إلى مسرح للفوضى والمحسوبية ..؟ كيف لمكتب إعلامي أن يتصرّف بهذا القدر من الارتباك وسوء التقدير، في تظاهرة دولية يُفترض أن تعكس صورة تونس الثقافية في أبهى حُلّة.. ؟
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يُصبح من الضروري أن تُراجع إدارة مهرجان قرطاج آليات عملها، وتقوم بتقييم دقيق لما جرى في هذه الدورة، وتتحمّل مسؤولياتها كاملة. فالثقافة لا تُدار بالمجاملات، ولا تُصان بالمحاباة. والمشهد الإعلامي بدوره تغيّر، ولم يعد مقبولًا تجاهل الكفاءات الحقيقية، أو تهميش الإعلام الرقمي المهني، الذي أصبح حاضرًا ومؤثرًا بقدر الصحافة التقليدية – بل أحيانًا أكثر.
المصدر : new media tv

