وسط ركام المستشفيات، وصفارات الإنذار، وصراخ الأطفال، تقف الطبيبة الأميركية نور شرف شاهدة على ما تصفه بأنه “أبشع كارثة إنسانية رأتها في حياتها”. جاءت إلى قطاع غزة متطوّعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنها وجدت نفسها في مواجهة مشاهد لا تحتملها عين ولا قلب.
في مداخلة مؤثرة مع قناة الجزيرة، قالت نور من داخل مجمع الشفاء الطبي، إن الناس هناك ينهارون من شدّة الجوع، يسقطون في الطرقات، عند أبواب المستشفيات، وداخل الطوارئ. بعضهم لم يذق طعامًا منذ أيام، وآخرون يتقيؤون من فراغ المعدة، بينما الأطفال يغور لحم وجوههم وتغرق أعينهم في ظلال سوداء من شدة الجفاف وسوء التغذية.
تصف الطبيبة المشهد بكلمات تقطر ألمًا: “نعالج المصابين على الأرض، بلا أدوات كافية، بلا أدوية، بلا ماء، ولا كهرباء. نعقّم الجروح في أرضيات متّسخة، ونجري الإسعافات وسط فوضى من الصراخ والدماء. هذا ليس مستشفى، هذه ساحة حرب بلا قواعد“.
وتؤكد نور أنّ الكارثة لا تقتصر على الإصابات الناتجة عن القصف، بل إنّ الجوع بات القاتل الأول. تقول: “الجوع هنا لا يُشبه شيئًا مما عرفته في حياتي. هناك من أُجبر على أكل أوراق الشجر، وهناك طفل – نعم، طفل صغير – صوّرته الكاميرات وهو يأكل الرمل… لأنه لا يوجد شيء آخر. لا حليب، لا خبز، لا ماء”.
الطبيبة الأميركية، التي كانت تستعد لخدمة مرضى الطوارئ، أصبحت هي نفسها مهددة بالجوع. تقول إنها أُبلغت قبل وصولها إلى غزة بضرورة إحضار طعامها معها، “لكن حتى هذا الطعام سينفد، كما نفد عند زملائي. الجوع لا يستثني أحدًا في غزة – لا مريضًا ولا طبيبًا“.
وفي تحذير طبي خطير، تقول نور إن من ينجون من هذه المجاعة لن ينجوا بالضرورة من تداعياتها. وتشرح: “أجسام البشر حين تتعرض لتجويع طويل، تصبح غير قادرة على التفاعل الطبيعي مع الطعام حين يعود، وهذا قد يؤدي إلى أمراض مزمنة، بل إلى الموت، كما حصل مع ضحايا التجويع في الحرب العالمية الثانية”.
وتأتي شهادة نور في وقت أعلنت فيه وزارة الصحة في غزة عن وفاة 10 أشخاص خلال 24 ساعة فقط بسبب الجوع وسوء التغذية، ليرتفع عدد ضحايا المجاعة إلى 111 شخصًا، في ظل حصار خانق يمنع دخول الغذاء والدواء والماء، ويجعل من الحياة اليومية معركة من أجل البقاء.

