في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في مسار الحرب على قطاع غزة، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحات نارية جدد فيها موقفه المتشدد من إنهاء العمليات العسكرية الجارية منذ 7 أكتوبر 2023. وبنبرة حادة لا تحمل أي مرونة دبلوماسية، أكد نتنياهو أن الحرب لن تتوقف إلا إذا أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استسلامها الكامل، قائلاً بوضوح: “اللحظة التي تلقي فيها حماس سلاحها وتستسلم، ربما نسمح لها بمغادرة غزة. عندها فقط ستنتهي الحرب”.
بهذا التصريح، يؤكد نتنياهو أن لا هدنة ولا حلول مؤقتة أو تسويات مرحلية ستنهي هذه الحرب، بل فقط الانهيار الكامل لخصمه السياسي والعسكري. هذا الخطاب يعكس تمسك إسرائيل بخيار الحسم الميداني على الأرض، في وقت تشهد فيه غزة واحدة من أعنف الحملات العسكرية في تاريخها، راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 193 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وسط انهيار شامل في البنية التحتية وندرة الغذاء والماء والدواء.
وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لم يفوّت نتنياهو الفرصة للتصعيد على جبهة أخرى، حيث أعلن بشكل قاطع أن لا مجال لأي سلام مع إيران، واصفًا النظام الإيراني بأنه “عدو وجودي لا يسعى سوى للقضاء على إسرائيل”. وأضاف أن “الشعب الإيراني يريد الإطاحة بالنظام”، في خطاب يعكس سياسة إسرائيل الثابتة في تحميل طهران مسؤولية دعم فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة بأسرها.
ولم يتوقف نتنياهو عند هذا الحد، بل ذهب إلى حدّ القول إن “الأميركيين الذين لا يدعمون إسرائيل، لا يدعمون الولايات المتحدة نفسها”، في تلميح واضح إلى أن دعم إسرائيل يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من الولاء للسياسة الأميركية ذاتها، في وقت تتصاعد فيه الأصوات داخل الولايات المتحدة التي تدعو إلى مراجعة شاملة لدعمها غير المشروط لإسرائيل.
على الجانب الآخر، تتسارع التحركات السياسية والدبلوماسية في محاولة للوصول إلى صيغة تهدئة، وقد كشفت شبكة “سي إن إن” الأميركية عن تفاصيل مهمة في هذا السياق، حيث نقلت عن مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة حذّرت حركة حماس من أنها “شارفت على فقدان صبرها”، مطالبة الحركة برد سريع على مقترح هدنة يشمل وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً وصفقة لتبادل الأسرى.
المصادر ذاتها أكدت أن واشنطن منحت حماس ضمانات بأن إسرائيل ستشارك خلال فترة التهدئة في مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب، لكنها في الوقت ذاته لوّحت بسحب هذه الضمانات في حال لم توافق الحركة على المقترح قريباً. ومع أن التركيز ينصب حالياً على رد حماس، فإن العديد من المسؤولين المشاركين في الوساطة أكدوا أن العقبة الرئيسية في الأسابيع الماضية لم تكن عند حماس، بل في الموقف الإسرائيلي، الذي يرفض حتى اللحظة تقديم خرائط واضحة لانسحاب قواته من القطاع، وهو مطلب أساسي لدى الحركة كجزء من أي اتفاق شامل.
وبينما تستمر المفاوضات في أروقة الدوحة والقاهرة، تحدثت بعض المصادر عن دور محوري لعبه الاجتماع الأخير بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في واشنطن، والذي أسهم في تسريع النقاش حول النقاط العالقة، وعلى رأسها ضمانات الانسحاب الإسرائيلي والتهدئة الدائمة.
أما على مستوى موقف حماس، فقد نقلت “سي إن إن” عن مصادر قريبة من المفاوضات أن القيادي في الحركة خليل الحية أبدى ميلاً إيجابياً نحو المقترح، لكنه شدد على أن القرار النهائي يعود لقيادة الحركة في غزة، التي تتحمل وحدها المسؤولية الميدانية عن أي اتفاق. ورغم ذلك، خرج المتحدث باسم الحركة، باسم نعيم، لينفي هذه الأنباء، مشيراً إلى أن “الحركة ما زالت تدرس المقترح، ولم تُصدر أي موقف رسمي بعد”.
كل هذه التطورات تتقاطع في لحظة مفصلية من الحرب، حيث تتزايد الضغوط الدولية، ويتفاقم الغضب الشعبي، في ظل أرقام مفزعة للضحايا، وأوضاع إنسانية كارثية غير مسبوقة. وبينما تصر إسرائيل على معادلة “الاستسلام أو الموت”، وتواصل الولايات المتحدة دفع عجلة التهدئة، يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هناك مخرج سياسي حقيقي لهذه الحرب، أم أننا نشهد فصلاً جديدًا من مأساة مفتوحة لا تلوح نهايتها في الأفق؟
المصدر : وكالات + مواقع إخبارية

