في خطوة أثارت موجة من الجدل في الأوساط الدبلوماسية والثقافية، أعلنت الولايات المتحدة، اليوم الثلاثاء 22 يوليو/تموز 2025، أنها تعتزم الانسحاب مجددًا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، مشيرة إلى ما تصفه بـ”التحيز المتواصل ضد إسرائيل”، وهي الحجة التي استخدمتها واشنطن مرارًا لتبرير انسحاباتها السابقة من المنظمة.
ويمثل هذا القرار ثالث انسحاب أميركي من اليونسكو خلال أربعة عقود، والثاني تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي سبق له أن انسحب من المنظمة في عام 2017 خلال ولايته الأولى، قبل أن تعود واشنطن إلى عضويتها عام 2023 في عهد الرئيس جو بايدن.
ويُنتظر أن يدخل قرار الانسحاب حيز التنفيذ بحلول نهاية ديسمبر 2026، ما يمنح المنظمة الأممية – التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرًا لها – وقتًا محدودًا للتعامل مع التداعيات المالية والسياسية المحتملة لهذا الانسحاب الجديد.
من عضوية غير مستقرة إلى قطيعة متكررة
لم تكن العلاقة بين الولايات المتحدة واليونسكو يومًا مستقرة، فقد شهدت توترات دورية منذ الثمانينيات. وكان أول انسحاب أميركي من المنظمة قد تم عام 1984، في عهد الرئيس رونالد ريغان، بدعوى “سوء الإدارة وانحياز أيديولوجي ضد القيم الغربية”. ثم عادت واشنطن في التسعينيات، قبل أن تنسحب مجددًا في 2017 خلال فترة ترامب، احتجاجًا على قرارات اعتبرتها “مناهضة لإسرائيل”.
مع وصول إدارة بايدن، سعت واشنطن إلى استعادة دورها داخل المنظمات الدولية، فعادت إلى اليونسكو عام 2023، بعد تسوية جزء من المتأخرات المالية التي تراكمت نتيجة الانسحاب السابق. غير أن عودة ترامب إلى الحكم في انتخابات 2024 أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وأحيت السياسة الانعزالية التي كثيرًا ما ميزت رؤيته للعلاقات الدولية.
موقف اليونسكو: أسف دون مفاجأة
ردّ منظمة اليونسكو لم يكن غاضبًا بقدر ما كان واقعيًا. فقد أعربت المديرة العامة أودري أزولاي عن أسفها إزاء القرار الأميركي، لكنها أشارت إلى أن الأمر لم يكن مفاجئًا وأن المنظمة كانت مستعدة لهذا السيناريو.
وقالت أزولاي في بيان مقتضب:
“يؤسفني جدًا قرار الولايات المتحدة الانسحاب مجددًا من اليونسكو، لكنه كان متوقعًا في ظل الظروف الحالية. رغم ذلك، فإن عملنا سيستمر، والتعاون الدولي لن يتوقف.”
ما وراء الانسحاب: رمزية السياسة الثقافية
لا يقتصر تأثير انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو على البعد الرمزي فقط، بل يمتد إلى ملفات حساسة مثل حماية التراث الثقافي العالمي، وتمويل البرامج التعليمية في الدول النامية، ومبادرات حرية الصحافة وحقوق الإنسان. فباعتبارها إحدى أكبر الدول المانحة سابقًا، يُتوقع أن يترك غياب واشنطن فجوة مالية واضحة، حتى وإن عوّضتها دول أخرى جزئيًا.
من جهة أخرى، يُعيد هذا الانسحاب التأكيد على نهج إدارة ترامب في التعامل مع المنظمات الأممية، والذي يتسم بنزعة أحادية وتفضيل للسياسات المنفردة على العمل المتعدد الأطراف. وهي رؤية لطالما بررها ترامب بعبارات مثل: “أميركا أولًا” و”السيادة فوق العولمة”.
انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو ليس مجرد قرار إداري أو خلاف مالي، بل هو مؤشر على اتجاه أوسع نحو فك الارتباط مع النظام الدولي متعدد الأطراف، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تعاون عالمي في مجالات الثقافة والتعليم والتكنولوجيا. وما بين خطاب “تحيز ضد إسرائيل” وتحديات التمويل والعمل المشترك، تبقى اليونسكو أمام اختبار جديد: هل ستتمكن من الحفاظ على توازنها واستقلاليتها، في غياب أحد أعضائها التاريخيين؟
المصدر : وكالات

