تشهد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تصاعدًا حادًا في معدلات انتحار الجنود، في واحدة من أخطر الأزمات النفسية التي يواجهها الجيش منذ تأسيسه. ووفقًا لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد أقدم ما لا يقل عن 15 جنديًا على الانتحار منذ بداية عام 2025، مقارنة بـ 21 حالة خلال العام السابق، وهو ما يعكس تزايد الضغوط النفسية على الجنود، خصوصًا أولئك الذين شاركوا في الحرب على غزة.
وتشير الصحيفة إلى أن الغالبية العظمى من الجنود المنتحرين ينتمون إلى قوات الاحتياط الذين استُدعوا للخدمة الميدانية المكثفة. ونقلت عن مصادر عسكرية أن العديد منهم تعرضوا لمواقف قتالية صادمة تركت آثارًا نفسية بالغة، أبرزها اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق المزمن.
ثلاث حالات انتحار في أقل من عشرة أيام
كشفت قناة “كان” الإسرائيلية أن جنديًا من لواء ناحال أنهى حياته في قاعدة عسكرية بهضبة الجولان، وهو ثالث جندي يضع حدًا لحياته خلال عشرة أيام فقط. وذكرت يديعوت أحرونوت أن الجندي خدم في غزة لأكثر من عام، في ظروف قاسية.
وسبق هذه الحادثة، انتحار جندي من لواء غولاني في قاعدة “سدي تيمان” بالنقب، بعدما خضع لتحقيق لدى الشرطة العسكرية وسُحب سلاحه، ليستخدم لاحقًا سلاح زميله وينتحر. كما أورد موقع “واللا” أن جنديًا آخر أنهى حياته بعد معاناة مستمرة عقب خدمته في جبهات غزة ولبنان.
44 جنديًا انتحروا منذ حرب غزة
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، تؤكد وسائل الإعلام الإسرائيلية أن ما لا يقل عن 44 جنديًا أقدموا على الانتحار، نتيجة تدهور حالتهم النفسية جراء مشاهد الدمار والدماء، والخوف المستمر من الموت في عمليات اقتحام المدن والمخيمات الفلسطينية.
وفي ظل هذه الظروف، كشف تقرير للقناة 12 الإسرائيلية أن نحو 20 ألف جندي يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، بينما يرفض عدد متزايد من الجنود العودة للقتال، وتم سجن بعضهم بسبب التمرد أو رفض الأوامر العسكرية.
جيش الاحتلال أمام أزمة بشرية غير مسبوقة
أفاد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن جيش الاحتلال يواجه واحدة من أخطر أزمات القوى البشرية في تاريخه، حيث يفتقر لعشرات آلاف الجنود اللازمين لإدارة القتال على جبهات متعددة، أبرزها غزة ولبنان والضفة الغربية.
ويعاني الجيش من استنزاف شديد في صفوف قوات النخبة التي جرى تكليفها بمهام تقليدية لا تتناسب مع طبيعة تدريبها، مثل ما حدث مع وحدات الكوماندوز التابعة للفرقة 98 (المظليين). وقد أدى ذلك إلى تراجع فعالية العمليات البرية في قطاع غزة، وارتفاع الإصابات في صفوف الجنود.
أزمة التجنيد: أزمة سياسية ومجتمعية أيضًا
في موازاة ذلك، يواجه الجيش معضلة تجنيد متفاقمة، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن 71% من الإسرائيليين يعتقدون أن إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة يضر بروح المساواة والالتزام الوطني. فيما يرى 42% أن هذا الإعفاء سيؤثر على رغبة أبنائهم في الانخراط في الجيش.
خسائر فادحة منذ بداية الحرب
منذ بداية الحرب على غزة، قُتل أكثر من 890 جنديًا إسرائيليًا وأُصيب أكثر من 10 آلاف آخرين، ما شكّل ضغطًا هائلًا على النظامين العسكري والطبي. ويقول مراقبون إن استمرار القتال بهذه الوتيرة في ظل النقص العددي والضغوط النفسية قد يؤدي إلى انهيار فعلي في جاهزية الجيش.
إن ارتفاع معدلات الانتحار وتدهور الحالة النفسية لدى الجنود الإسرائيليين لم يعد مجرد مؤشّر إنساني مقلق، بل أصبح تهديدًا استراتيجيًا لقدرة الجيش على خوض معارك طويلة الأمد. وفي الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لتحقيق أهداف عسكرية في غزة، تُظهر هذه المؤشرات أن الجيش يواجه أزمة داخلية قد تُعيق استمراره في القتال، ما يفرض على القيادة السياسية والعسكرية مراجعة سياساتها قبل أن تتحول هذه الأزمة إلى حالة انهيار شامل.
المصدر : وكالات + هآرتس الإسرائيلية

