في قلب المواجهة المفتوحة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، برزت جبهة أخرى لا تقل خطورة عن المعركة العسكرية، لكنها هذه المرة من الداخل. بيان صادر عن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية كشف النقاب عن واحدة من أخطر القضايا الأمنية التي تهدد النسيج الوطني في غزة: ياسر أبو شباب، متهم بالخيانة العظمى، وتشكيل عصابة مسلحة تعمل تحت غطاء ودعم مباشر من الاحتلال.
لم تستخدم فصائل المقاومة لغة دبلوماسية في بيانها، بل وصفت أبو شباب بوضوح بأنه “خائن مأجور”، وأكدت أن دمه ودم كل من يقف إلى جانبه “مهدور” من قبل كافة الفصائل. هذه العبارة، التي تحمل ثقلاً دينيًا وأخلاقيًا وسياسيًا، تمثل إعلانًا صريحًا بسقوط الغطاء عن كل من يتورط في العمالة، وتدلّ على التوافق الوطني الكامل في التعامل مع هذه الظاهرة القاتلة.
الغرفة المشتركة أضافت في بيانها أن أبو شباب وعصابته “ثلة خارجة عن الصف الوطني ومنزوعة الهوية الفلسطينية بالكامل”، في إشارة إلى أنهم لم يعودوا يُعدّون من أبناء المشروع الوطني أو من نسيج الشعب الفلسطيني. وجاء في البيان أيضًا: “لن ترحم المقاومة الخائن ومن سلك مسلكه بمعاونة الاحتلال. مصيرهم مزابل التاريخ، ووصمة عار لا تمحى أمام الله وشعبهم”.
ورغم قسوة اللغة، فإنها جاءت لتكشف عمق الجرح الذي أحدثته مثل هذه الظواهر في مجتمع يتعرض لحصار وعدوان دائم، ويعتمد في تماسكه على وعيه الداخلي. ولهذا، لم تغفل فصائل المقاومة توجيه التحية للمجتمع، مؤكدة: “نثمن مواقف العائلات والعشائر التي وقفت بحزم، وأكدت أن خيانة فئة ضالة لن تنال من وعي الشعب ولا من عزيمته”.
من جهتها، دخلت المحكمة الثورية على خط المواجهة، فأصدرت بيانًا رسميًا أمهلت فيه ياسر أبو شباب عشرة أيام، تبدأ من الأربعاء 2 جويلية 2025، لتسليم نفسه للجهات القضائية المختصة. المحكمة حذّرت من أنه في حال لم يمتثل، فسيُعتبر فارًّا من وجه العدالة، وستتم محاكمته غيابيًا، مؤكدة أن التستر عليه يُعد جريمة إضافية.
وُجهت إلى أبو شباب ثلاث تهم رئيسية تمس الأمن الوطني بشكل مباشر:
-
الخيانة والتخابر مع جهات معادية (المادة 131 من قانون العقوبات الفلسطيني).
-
تشكيل عصابة مسلحة (المادة 176).
-
العصيان المسلح (المادة 168).
وبحسب ما كشفته الجهات الأمنية، فإن أبو شباب، المولود في 27 فيفري 1990، متورط في إنشاء عصابة مسلحة نفذت عمليات اغتيال وتصفية بحق مواطنين ومقاتلين من فصائل المقاومة، تحت إشراف وتوجيه مباشر من الاحتلال الإسرائيلي. كما اتُّهمت العصابة بسرقة مساعدات إنسانية كانت موجهة لسكان القطاع، مستغلة دخولها عبر معبر كرم أبو سالم الواقع جنوب شرق مدينة رفح.
الخطير في القضية أن العصابة تحتمي حاليًا في المناطق الشرقية لمحافظة رفح، والتي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. ويُنظر إلى نشاطهم كجزء من خطة أوسع ينتهجها الاحتلال لخلق قوى محلية عميلة، تُستخدم لضرب وحدة المجتمع من الداخل، وإضعاف الجبهة الداخلية من خلال الفوضى والانقسام والتجويع.
هذه الحادثة، رغم مأساويتها، جاءت كجرس إنذار للمجتمع الفلسطيني كله. فكما أن الاحتلال يعتمد القوة العسكرية، فهو كذلك يعمل على تجنيد ضعاف النفوس، ليكونوا أدواته في تنفيذ سياسة الأرض المحروقة، والتمهيد لمشاريع تصفوية تستهدف الوجود الفلسطيني من جذوره.
لكن الرسالة الأوضح جاءت من فصائل المقاومة: لا مكان للخونة بيننا، والدم المهدور ليس مجرد تهديد، بل عهدٌ وطني بحماية الأرض والناس، حتى من أبنائها الذين اختاروا الاصطفاف مع العدو.

