تستعد إثيوبيا، اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر، لافتتاح سد النهضة، أضخم مشروع مائي في تاريخها، والذي تهدف من خلاله إلى إنتاج قرابة 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء. المشروع استغرق عشر سنوات كاملة من البناء، ويمثّل، وفق الرواية الرسمية الإثيوبية، حجر أساس لتحقيق “نهضة اقتصادية” مرتقبة.
ورغم اكتمال أشغال السد من الناحية الفنية، لا يزال الخلاف قائماً بين إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان، بسبب عدم التوصّل إلى اتفاق نهائي بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، وهو ما تعتبره القاهرة والخرطوم تهديدًا مباشرا لأمنهما المائي.
وفي هذا السياق، صرّح مستشار وزير المياه والطاقة الإثيوبي بأن بلاده لا تزال منفتحة على التفاوض “الجاد” من أجل تبديد مخاوف جيرانها.
من جانبها، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن السد يمثّل محور نزاع إقليمي كبير مستمر منذ أكثر من عشرية، بين إثيوبيا التي ترى فيه مشروعًا تنمويًا للمنطقة، ومصر التي تعتبره “خطرًا وجوديًا”، بالنظر لاعتمادها شبه الكلي على مياه النيل لتلبية حاجياتها من الماء، خاصة في مجالات الزراعة والاستهلاك البشري.
وتفيد أرقام وزارة الموارد المائية المصرية بأن مصر تحتاج سنويًا إلى نحو 114 مليار متر مكعب من المياه، في حين لا يتجاوز ما توفره الموارد المحلية 56.6 مليار متر مكعب.
مشروع قومي في بلد يمزقه النزاع الداخلي
بالنسبة للإثيوبيين، لا يرمز سد النهضة فقط إلى التنمية، بل يُعتبر محل إجماع وطني نادر في بلد يشهد عدة نزاعات داخلية، خاصة في إقليمي أوروميا وأمهرة، إلى جانب الحرب المدمّرة التي عرفها إقليم تيغراي وانتهت في عام 2022، بعد أن خلّفت ما يُقدّر بـ 600 ألف قتيل حسب الاتحاد الإفريقي.
وقال دبلوماسي غربي يعمل في أديس أبابا إن “الأمرين الوحيدين الذين يُجمِع عليهما الإثيوبيون هما: مشروع السد، والسعي نحو استعادة منفذ على البحر”، في إشارة إلى فقدان إثيوبيا لمنفذها البحري بعد استقلال إريتريا في سنة 1993.
سد النهضة: عملاق مائي بقيمة 4 مليارات دولار
انطلقت فكرة المشروع في أفريل 2011، بميزانية تُقدّر بـ 4 مليارات دولار. ويُعدّ السد أكبر منشأة كهرومائية في القارة الإفريقية، بطول 1.8 كيلومتر وارتفاع يصل إلى 145 مترا، وبسعة تخزين تفوق 74 مليار متر مكعب.
غير أن هذا المشروع العملاق لم يبتعد يومًا عن تجاذبات السياسة الإقليمية، إذ عبّرت مصر مرارًا عن مخاوفها من تأثيره على حصّتها التاريخية من مياه النيل.
في أوت الماضي، صرّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن بلاده “لن تسمح بالمساس بأمنها المائي”، مشددًا على أن “كل الخيارات تبقى مفتوحة وفق القانون الدولي لحماية مصالح الشعب المصري”.
تحركات دبلوماسية ووساطات فاشلة
في محاولة لموازنة الضغوط، قامت القاهرة مؤخرًا بتعزيز علاقاتها مع إريتريا والصومال، وهما بلدان يجاوران إثيوبيا، في خطوة فُسّرت بأنها جزء من استراتيجية إقليمية للرد على نفوذ أديس أبابا المتنامي.
بدوره، أعرب السودان عن رفضه لما سماه “الإجراءات الأحادية” في ملف سد النهضة، مؤكدًا في بيان مشترك مع مصر في نهاية جوان الفارط تمسّكه بموقف موحّد بخصوص إدارة مياه النيل.
رغم وساطات متعددة من قِبل الولايات المتحدة، البنك الدولي، روسيا، الإمارات والاتحاد الإفريقي، لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق شامل وملزم بين الأطراف الثلاثة.
رسائل تهدئة من آبي أحمد
من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في خطاب ألقاه في جويلية الماضي، إن “سد النهضة لا يجب أن يُنظر إليه كتهديد، بل كفرصة مشتركة للتنمية في المنطقة”، مُضيفًا أن الطاقة التي سينتجها المشروع “لن تخدم إثيوبيا وحدها”.
وقد كرر آبي أحمد هذا الموقف في مقابلة تلفزيونية بُثّت مساء الإثنين 8 سبتمبر من موقع السد، مؤكدًا أن بلاده “لا ترغب في التسبب بأي ضرر لجيرانها في المصب، بل تسعى إلى التعاون المثمر معهم”.
الخبراء يدعون لإدارة عقلانية لمياه النيل
في تحليله للمشهد، اعتبر الباحث في تشاتام هاوس، أبيل أبات ديميسي، أن النيل يمكن أن يوفّر ما يكفي من المياه لجميع الدول المشاطئة “إذا تمّت إدارته بطريقة شفافة ومتوازنة”.
ويُجمع المراقبون على أن المسألة تجاوزت منذ سنوات بعدها التقني والهندسي، لتصبح جزءًا من لعبة جيواستراتيجية أوسع، يتحتم فيها إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية طويلة الأمد، تُراعي مصالح الجميع وتجنّب المنطقة صدامًا لا تُحمد عقباه.
المصدر : ووكالات

