في موقف نادر يعكس حجم القلق والانقسام داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وجّه الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك، وهو أحد أبرز قادة الجيش السابقين، نداءً عاجلاً للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مطالبًا إياه بالتدخل الفوري لوقف الحرب المستمرة على قطاع غزة، وإنقاذ إسرائيل مما وصفه بـ”الانهيار والتفكك الوشيك”.
وفي مقال رأي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليوم الاثنين، حذّر بريك – الذي شغل في السابق منصب قائد الفيلق الجنوبي والفرقة 36 في الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى عمله كمفوض شكاوى الجنود – من أن القيادة السياسية والعسكرية الحالية في تل أبيب “فقدت عقلها بالكامل”، وأصبحت تقاتل فقط للحفاظ على وجودها السياسي، وليس من أجل مصلحة الدولة.
وأكد أن أداء الحكومة الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، سيُسجَّل في التاريخ “بالخزي والعار” بسبب ما اعتبره فشلًا استراتيجيًا كارثيًا في إدارة الحرب على غزة، التي ما زالت مستمرة منذ شهور دون تحقيق أهداف واضحة، ومع ارتفاع الخسائر البشرية والاقتصادية يومًا بعد يوم.
خياران وهميان
بحسب بريك، تروج الحكومة الإسرائيلية لما تصفه بخيارين لحسم المعركة في غزة، لكنهما – من وجهة نظره – مجرد “أوهام سياسية” لا أساس لها من الواقع.
الخيار الأول يتمثل في أن يسيطر الجيش الإسرائيلي على كامل قطاع غزة ويقيم فيه إدارة عسكرية دائمة، مع ضم أراضٍ من القطاع وإنهاء حكم حركة حماس.
أما الخيار الثاني، فهو أن ترضخ حماس وتُفرج عن الأسرى الإسرائيليين دون التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب.
لكن بريك اعتبر أن كلا الخيارين غير قابل للتطبيق، موضحًا أن الجيش الإسرائيلي لا يمتلك القدرة على السيطرة الكاملة على غزة، ولا على إدارة حكم عسكري فيها، نظراً لصغر حجم قواته البرية التي أصبحت منهكة بعد شهور طويلة من القتال.
وأشار إلى أن القوات عندما تدخل مناطق مثل بيت حانون، فإنها لا تسيطر عليها فعلياً، بل تتمركز في نقاط محدودة وتتحرك بصعوبة، معرضة بشكل دائم لعبوات ناسفة وقنص من المقاومة الفلسطينية، ما يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى باستمرار.
وأضاف أن غياب قوات احتياط بديلة يجعل بقاء تلك القوات في القطاع لفترة طويلة أمراً مستحيلاً، ما يعني أن الانسحاب في نهاية المطاف سيكون حتميًا.
عزلة دولية متصاعدة
وحذّر بريك من أن أي خطوة لضم أراضٍ من غزة ستكون بمثابة “انتحار سياسي” لإسرائيل، لما ستسببه من قطيعة نهائية مع المجتمع الدولي.
وأشار إلى أن عدة دول أعلنت بالفعل دعمها لمشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، يقضي بالاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل – ليس بالضرورة انطلاقًا من إيمان فعلي بهذا الحل، وإنما كردّ عقابي على سياسات تل أبيب في القطاع.
وأوضح أن إسرائيل باتت تعاني بالفعل من عزلة دولية متنامية، ومقاطعات اقتصادية وثقافية، وسط كراهية متزايدة تجاهها على المستوى الشعبي العالمي، ما يشكل خطرًا وجوديًا على الدولة لعقود مقبلة.
لا تبادل دون وقف إطلاق نار
أما الخيار الثاني، والذي يفترض أن تقوم حماس بإطلاق سراح الأسرى دون وقف الحرب، فقد اعتبره بريك وهمًا آخر.
وأوضح أن حماس لن تتنازل عن ورقة الأسرى – التي تُعد مصدر قوتها التفاوضية – من دون تحقيق مكاسب سياسية، وعلى رأسها وقف شامل لإطلاق النار.
دعوة لتغيير القيادة
وختم بريك مقاله بمناشدة علنية لترامب بأن يتدخل شخصيًا ويفرض وقفًا للحرب، محذرًا من أن “تيارًا متطرفًا” بقيادة نتنياهو هو من يقود إسرائيل اليوم نحو طريق مسدود يهدد بزوالها ككيان سياسي فاعل.
وأكد أن الحكومة الحالية باتت عبئًا وجوديًا على الدولة، ويجب استبدالها فورًا قبل فوات الأوان.

