المسن الفلسطيني سليم عصفور وقد أنهكه الجوع (مواقع التواصل)
في ركنٍ موحش من خيمة نزوح مهترئة جنوب قطاع غزة، يرقد الرجل السبعيني سليم عصفور، لا يعلم إن كان لا يزال حياً أم أن جسده الذي خسر نصف وزنه أصبح مجرد بقايا ظلٍ لرجل كان يوماً ما رمزاً للحياة في حارته، حين كان يرفع الأذان من مسجد الصحابة في عبسان الجديدة شرق خان يونس.
تهجر سليم قسراً من بلدته تحت وطأة القصف الإسرائيلي، ولم يحمل معه سوى جسده المتعب وإيمانه الذي لم يفارقه رغم أنف الجوع والخذلان. واليوم، بعد خمسة أيامٍ بلا رغيف خبز واحد، وبعد أن ذوى جسده من 80 إلى 40 كيلوغراماً، لم يبقَ فيه ما يُقاوم. خفت صوته حتى أصبح همساً بالكاد يُسمع، تماماً كقضيته التي يحاول العالم تجاهلها.
مشهد سليم انتشر كالصاعقة على وسائل التواصل الاجتماعي، بصورٍ تُظهر عظام صدره البارزة وبشرته الملتصقة بجسده النحيل. لم يكن بحاجة إلى كلمات كثيرة ليعبّر عن المأساة؛ كان صمته وجوعه وحدهما كافيين لفضح فظاعة الجريمة.
صرخة سليم الصامتة لم تكن الوحيدة، لكنها كانت الأقسى. فقد تحوّل إلى رمز لمجزرة من نوع مختلف، لا يُستخدم فيها الرصاص بل الجوع. سياسة تجويع متعمّدة، تفرضها إسرائيل على غزة منذ أشهر، بمباركة أميركية وصمت أوروبي فاضح.
في الوقت الذي يُمنع فيه دخول الطعام والمساعدات، يُترك السكان في العراء، يواجهون الموت البطيء بلا دواء ولا طعام، بينما العالم يتفرّج من خلف الشاشات. المجاعة في غزة لم تعد مجرد خطر، بل واقع يومي مرير يعيشه آلاف العائلات، ويدفع ثمنه الأطفال وكبار السن أولا.
الناشطون الذين شاهدوا صورة سليم قالوا إن ما يرونه لا ينتمي إلى مشهد من فيلم عن الحرب العالمية، ولا إلى صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي، بل إلى واقع دامٍ يُرتكب في وضح النهار. وقد تساءل كثيرون: كم “سليم” آخر سيُدفن بصمت قبل أن يتحرك الضمير العالمي؟
ما يحدث في غزة ليس كارثة طبيعية، بل جريمة إنسانية مكتملة الأركان، تنفّذ ببطء وبدم بارد، على مرأى ومسمع من العالم. وسليم، ذلك الشيخ الذي أذّن يوماً للحياة، أصبح اليوم نداءً أخيراً للإنسانية قبل أن تموت هي أيضاً من شدة الجوع.

