في مشهد غير مألوف يعكس تصاعد القدرات العسكرية اليمنية، تسبّب صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل في تعطيل مؤقت لحركة الطيران في مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب، مساء الأربعاء. ورغم أن الصاروخ لم يبلغ هدفه وسقط قبل الوصول، إلا أن المخاوف التي أثارها داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كانت كافية لتعليق عمليات الإقلاع والهبوط في واحد من أكثر المطارات حيوية في البلاد. هيئة البث الإسرائيلية أكدت أن الإنذارات لم تُفعّل، ما يعني أن الصاروخ لم يخترق المجال الجوي الإسرائيلي فعليًا، لكن صحيفة يديعوت أحرونوت أشارت إلى أن مجرد احتمال وصوله كان كافيًا لإرباك منظومة الملاحة الجوية، وتعطيل حركة الطيران كإجراء احترازي.
هذا التطور يأتي ضمن سلسلة هجمات نوعية نفذتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) خلال الأسبوع الجاري، استهدفت فيها مواقع إسرائيلية استراتيجية، من بينها مطارا بن غوريون ورامون، بالإضافة إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر. وقد أعلنت الجماعة عن فرض “حظر جوي” على مطار بن غوريون، و”حظر بحري” على ميناءي إيلات وحيفا، في خطوة رمزية تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الطابع الإعلامي، وتهدف إلى فرض معادلات ردع جديدة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
أهمية هذه الهجمات لا تكمن فقط في عددها أو توقيتها، بل في مصدرها. فالصواريخ والطائرات المسيّرة لم تُطلق من جبهة الشمال المعروفة، بل من عمق الجنوب العربي، ومن أرضٍ محاصرة ومثخنة بجراح حرب استنزفتها لسنوات. أن يصل صاروخ يمني إلى أجواء فلسطين المحتلة، وأن يربك مطارًا دوليًا بحجم بن غوريون، هو مؤشر بالغ الدلالة على أن الترسانة الصاروخية اليمنية لم تعد مجرد أدوات استنزاف محلية، بل باتت جزءًا من معادلة الردع الإقليمي.
التحول النوعي في القدرات اليمنية لم يأتِ من فراغ. فمنذ سنوات، عملت جماعة أنصار الله على تطوير صناعاتها العسكرية المحلية، وسط حصار خانق ونقص شديد في الموارد، لتنتج صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وطائرات مسيّرة أثبتت فعاليتها في أكثر من جبهة، من الداخل اليمني إلى العمق السعودي، والآن في الاتجاه الإسرائيلي. وهذا ما يفسر القلق المتزايد في إسرائيل من الجبهة الجنوبية، رغم بعدها الجغرافي، وخصوصًا في ظل عجز المنظومة الدفاعية الإسرائيلية عن التصدي المسبق لكل التهديدات الجوية القادمة من هناك.
في المقابل، واصلت إسرائيل الرد على هذه الهجمات بشن ضربات جوية مركزة على البنية التحتية في اليمن، استهدفت مطار صنعاء الدولي وموانئ رئيسية في الحديدة ورأس عيسى والصليف. وكان آخر هذه الهجمات يوم الاثنين الماضي، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي استهداف صهاريج وقود ومعدات هندسية تعمل على إعادة تأهيل ميناء الحديدة، في محاولة لتقويض القدرة اللوجستية اليمنية على مواصلة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة.
ورغم هذا التصعيد، فإن الرسالة باتت واضحة: اليمن، الذي كان يُنظر إليه قبل سنوات على أنه ساحة صراع داخلي معزول، أصبح اليوم فاعلًا إقليميًا يملك القدرة على التأثير في مجريات الصراع في فلسطين، بل وعلى تعطيل منشآت استراتيجية إسرائيلية عن بُعد. صاروخ لم ينفجر فوق تل أبيب، لكنه دوّى سياسيًا وعسكريًا في تل أبيب وواشنطن والرياض على حدّ سواء. إذ لم يعد يُمكن تجاهل أن القدرة على الوصول باتت أهم من الإصابة، وأن الردع الحقيقي يبدأ عندما يتغيّر مسار الطيران فوق بن غوريون بسبب تهديد من صنعاء.
المصدر : وكالات

