في تطور مفاجئ وحاد في خريطة الصراع الإقليمي، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ عملية عسكرية واسعة استهدفت مواقع استراتيجية في مدينة الحديدة اليمنية ومحيطها، في أول هجوم معلن من نوعه داخل العمق اليمني، تحت اسم “الراية السوداء”.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن سلاح الجو شن ضربات مركزة على أهداف وصفت بأنها “إرهابية” في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، إضافة إلى محطة الكهرباء المركزية برأس الكثيب، وسط تحذيرات من استمرار العمليات في ظل ما تسميه تل أبيب “تصعيدًا حوثيًا في الممرات البحرية”.
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس كان أكثر وضوحًا في رسالته، حين صرّح بأن الهجمات استهدفت كذلك السفينة غالاكسي ليدر، التي اختطفتها جماعة الحوثي قبل عامين وتُستخدم، حسب تعبيره، “كمركز عمليات إرهابية بحرية”، مضيفًا بلهجة تهديدية:
“كما حذرت سابقًا… قانون اليمن هو نفس قانون طهران. من يرفع يده ضدنا ستُقطع، ومن يهدد أمن إسرائيل سيدفع الثمن غاليًا”.
هجوم واسع وطائرات تقصف بـ20 صاروخًا ثقيلًا
وسائل إعلام إسرائيلية أفادت بأن المقاتلات الحربية ألقت ما لا يقل عن 20 صاروخًا شديد الانفجار على مواقع في الحديدة، بتنسيق مباشر مع سلاح البحرية، فيما أكد جيش الاحتلال أن الضربات استهدفت بنى تحتية تابعة “لنظام الحوثيين”، استنادًا إلى معلومات استخباراتية دقيقة.
صنعاء: هذا عدوان مباشر… وتصديّنا بصواريخ محلية
في المقابل، أعلنت وسائل إعلام تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) عن تعرّض مدينة الحديدة وموانئها إلى ما وصفته بـ”عدوان صهيوني غادر”، مؤكدة أن الدفاعات الجوية اليمنية تصدت للطائرات المغيرة باستخدام صواريخ أرض-جو محلية الصنع.
وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة إن “القوات الجوية اليمنية أجبرت عدة تشكيلات معادية على الانسحاب”، مشيرًا إلى أن الهجوم “لن يمر دون رد”.
وأضاف أحد قياديي المجلس السياسي الأعلى للحوثيين:
“تمادي العدو في استهداف منشآتنا الحيوية لن يُرهِب شعبنا، بل سيزيده صلابة في نصرة غزة وكل قضايا الأمة”.
البحر الأحمر يشتعل مجددًا
جاء هذا التصعيد في أعقاب حادثة بحرية جديدة في البحر الأحمر، حيث أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية وشركة أمبري للأمن البحري عن تعرض سفينة تجارية لهجوم مسلح من قبل 8 زوارق سريعة أطلقت قذائف صاروخية وأسلحة خفيفة على السفينة، على بعد نحو 94 كيلومترًا جنوب غرب ميناء الحديدة.
الهجوم البحري الجديد يعيد إلى الأذهان سلسلة العمليات التي نفذها الحوثيون ضد سفن الشحن منذ نوفمبر 2023، والتي تجاوزت 100 هجوم، وأدت إلى غرق سفينتين، والاستيلاء على أخرى، ومقتل 4 بحارة على الأقل.
التحوّل الجيوسياسي: من غزة إلى البحر الأحمر
اللافت أن هذا التصعيد يأتي في ظل انسحاب أمريكي جزئي من مسرح العمليات اليمني، حيث كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن في مايو 2025 عن وقف الغارات الأميركية ضد الحوثيين، عقب اتفاق غير معلن بوساطة عمانية، نصّ على عدم استهداف السفن الأميركية، في مقابل تجميد العمليات الأميركية ضد الجماعة.
هذا الفراغ التكتيكي يبدو أن إسرائيل تحاول استثماره لتوجيه رسالة مزدوجة: للحوثيين أولًا، ولراعيهم الإيراني ثانيًا، بأن تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر لن يُمرّ دون رد، وأن قواعد الاشتباك القديمة قد تمزّقت.
الهجوم الإسرائيلي على الحديدة ليس مجرد عملية عسكرية، بل تحول استراتيجي خطير في الصراع الإقليمي، ينذر بتوسيع رقعة المواجهة من غزة وجنوب لبنان إلى اليمن وباب المندب. تل أبيب وضعت الحوثيين رسميًا على قائمة أهدافها، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من الحرب متعددة الجبهات.
فهل سيكون الرد الحوثي بحجم التحدي؟ وهل تتحول المياه الحمراء إلى ساحة حرب مفتوحة بين إسرائيل ومحور المقاومة؟
الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف الإجابة.
المصدر : وكالات

