
تشهد إسرائيل منذ صباح الثلاثاء كارثة بيئية وأمنية متفاقمة، بعد أن اندلعت حرائق ضخمة في جبال القدس الغربية، سرعان ما تمددت لتطال مناطق واسعة وتخلف أضرارًا جسيمة على المستويين المدني والعسكري، مما دفع الحكومة إلى إعلان “حالة طوارئ وطنية” وسط تصاعد المخاوف من فقدان السيطرة على النيران.
بداية الكارثة: اشتعال مفاجئ وانتشار سريع
بدأت الحرائق في منطقة غابات كثيفة غربي القدس، حيث ساهمت درجات الحرارة المرتفعة والرياح الجافة في تسريع انتشار النيران نحو مساحات شاسعة. وسرعان ما اقتربت ألسنة اللهب من مناطق آهلة بالسكان، مما اضطر السلطات إلى إخلاء سكان ثماني بلدات على الأقل، ونقل مرضى من مستشفى هداسا عين كارم في القدس، بسبب اقتراب الحرائق من محيط المستشفى وتهديدها لأمن المرضى والعاملين.
إعلان الطوارئ واستنفار الجيش
مع تفاقم الأزمة، أصدر وزير الدفاع يوآف غالانت تعليمات مباشرة بنشر قوات من الجيش الإسرائيلي لدعم طواقم الإطفاء العاملة على الأرض، مشددًا على أن البلاد تواجه “وضعًا طارئًا يتطلب تعبئة فورية وشاملة لكل الموارد المتاحة”. كما تم إيقاف حركة القطارات بين القدس ومطار بن غوريون الدولي، وإغلاق الطريق السريع رقم 1، الذي يربط بين القدس وتل أبيب، بعد أن حاصرته ألسنة اللهب والدخان الكثيف.
فرق الإطفاء تواجه نيرانًا “خارجة عن السيطرة”
أفادت سلطة الإطفاء الإسرائيلية أن جهود مكافحة الحرائق تواجه صعوبات غير مسبوقة، خاصة مع اشتداد سرعة الرياح وتوسع نطاق الحريق. وقد صرّح قائد فرق الإطفاء في القدس أن “السيطرة على الحريق ما تزال بعيدة، والنيران تهاجم من عدة محاور في وقت واحد”.
وأظهرت مشاهد بثّتها وسائل الإعلام الإسرائيلية سحبًا كثيفة من الدخان الأسود تغطي سماء المنطقة الغربية من القدس، بينما تُكافح فرق الإطفاء ألسنة اللهب التي وصلت إلى التجمعات السكانية الواقعة على بعد نحو 30 كيلومترًا من المدينة.
إصابات وخطر يهدد مئات المدنيين
أعلنت خدمة الطوارئ والإنقاذ أن ما لا يقل عن 22 شخصًا أُصيبوا حتى الآن، بينهم 12 نقلوا إلى المستشفيات بحالات اختناق نتيجة استنشاق الدخان. كما أشارت إلى أن مئات المدنيين معرضون للخطر، في ظل محدودية القدرة على السيطرة على مسار الحرائق ووجود مناطق محاصرة تعذر الوصول إليها حتى اللحظة.
شبهات جنائية: الحرائق بفعل فاعل؟
وفي تطور لافت، أعلنت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية عن اعتقال ثلاثة أشخاص يُشتبه في ضلوعهم بإشعال الحرائق عمدًا في جبال القدس. فيما أكدت القناة 14 أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن “الحرائق مفتعلة وليست ناتجة فقط عن الأحوال الجوية”. وقد أثارت هذه التطورات تصريحات مثيرة للجدل من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي اتهم فلسطينيين بالوقوف خلف الحرائق ودعا إلى “إعدامهم”، ما اعتُبر خطابًا تصعيديًا في ظل أجواء متوترة أصلًا.
دعم دولي ومساعدة عاجلة
في ظل تفاقم الموقف، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها طلبت دعمًا دوليًا، وأكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن طائرات إطفاء متخصصة في طريقها من إيطاليا وكرواتيا للمساعدة في احتواء الحريق، وسط تقديرات بأن السيطرة على النيران قد تستغرق عدة أيام.
من النكبة إلى النيران: ذكرى قيام إسرائيل في مهب الكارثة
تزامنت هذه الحرائق مع استعدادات إسرائيل لإحياء الذكرى الـ77 لما تسميه “يوم الاستقلال”، وهو اليوم الذي يُصادف إعلان قيام الدولة عام 1948 على أرض فلسطين. وبفعل الأزمة، أعلنت السلطات إلغاء العديد من الاحتفالات الرسمية، فيما أشارت أجهزة الطوارئ إلى عدم قدرتها على تأمين الفعاليات العامة نتيجة انتشار الحرائق وانشغال جميع وحداتها بالمواجهة.
تشير هذه الكارثة البيئية إلى هشاشة الاستعدادات الإسرائيلية في مواجهة حرائق الغابات، خاصة في ظل التغيرات المناخية المتزايدة. كما يعكس التوتر الأمني المحيط بالقضية الفلسطينية مدى قابلية أي أزمة طبيعية لأن تتحول إلى أزمة سياسية داخلية، وسط اتهامات وأجندات متشابكة.