ترامب ممسكا بيد زوجته لدى وصوله مطار ستانستيد بلندن ( إيميجز)
يبدأ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب زيارة دولة ثانية إلى المملكة المتحدة، انطلقت مساء الثلاثاء 16 سبتمبر 2025، في محطة توصف بـ”التاريخية”، نظراً لكونها الزيارة الرسمية الثانية له، وهو ما لم يسبق لأي رئيس أمريكي أو زعيم عالمي أن ناله من قبل. وتأتي هذه الزيارة في ظل إجراءات أمنية مشددة، وسط احتجاجات شعبية رافضة لحضوره.
وصل ترامب إلى مطار ستانستيد في العاصمة لندن على متن طائرته الرئاسية السابقة “إير فورس وان”، رفقة زوجته ميلانيا، حيث كان في استقباله حرس الشرف، قبل أن يُنقل بالمروحية إلى مقر إقامة السفير الأمريكي لقضاء الليلة الأولى من الزيارة. وقد عبّر ترامب في تصريحات للصحفيين المرافقين له على متن الطائرة عن حماسه للزيارة، واصفاً إياها بأنها “ضخمة”، مؤكداً أن الملك تشارلز الثالث هو “صديق قديم”.
وفي الوقت الذي كانت فيه الاستعدادات تُجرى على قدم وساق في القصور الملكية لاستقبال الضيف الأمريكي، شهدت شوارع لندن وعدد من البلدات المحيطة بها تحركات احتجاجية، كان أبرزها عرض صور لترامب والملياردير الأمريكي الراحل جيفري إبستين على واجهة قلعة وندسور، حيث يُنتظر أن يستضيفه الملك تشارلز رفقة الملكة كاميلا. كما خرج العشرات في مظاهرات محلية رافضة للزيارة، فيما تُنظَّم اليوم الأربعاء 17 سبتمبر مسيرة حاشدة في لندن، من المتوقع أن يشارك فيها الآلاف. ومع ذلك، تشير الترتيبات الأمنية إلى أن ترامب، البالغ من العمر 79 عاماً، لن يواجه المحتجين بشكل مباشر، إذ تم ترتيب جدول الزيارة ليبقى بعيداً عن أي احتكاك شعبي مباشر.
ومن المقرر أن يحتضن اليوم الأول من الزيارة مراسم استقبال رسمية مبهرة في قلعة وندسور، تتضمن عرضاً عسكرياً لحرس الشرف، وموكباً ملكياً بعربات تجرها الخيول، وعروضاً جوية، إضافة إلى مأدبة رسمية يحضرها أفراد من العائلة المالكة، من بينهم الأمير ويليام وزوجته كاثرين. هذه الأجواء الاستثنائية تأتي رغم أن بعض التقارير البريطانية تحدثت عن تحفظ شخصي من الملك تشارلز بشأن إعادة دعوة ترامب، خاصة أنه كان قد استُقبل في زيارة مماثلة عام 2019 من قبل والدته الراحلة الملكة إليزابيث الثانية. ورغم ذلك، تم تجهيز كل تفاصيل البروتوكول الملكي على أعلى مستوى، من تنظيف العربات وصقل الفضة الملكية، إلى تجهيز قطع الماس والطهاة والبستانيين، لضمان استقبال يليق برئيس سابق يهوى الأبهة والفخامة.
أما المحطة الثانية من الزيارة، فستكون يوم الخميس 18 سبتمبر، حين ينتقل ترامب إلى مقر “تشيكرز” الريفي، الواقع على بعد نحو 70 كيلومتراً من لندن، لعقد اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. ويرتقب أن تتركز المحادثات حول ملفات اقتصادية وتجارية، أبرزها اتفاق جديد حول التعريفات الجمركية، إلى جانب مناقشة استثمارات أمريكية كبيرة في المملكة المتحدة. وقد صرّح ترامب بأن “البريطانيين يرغبون في تحسين الاتفاق القائم، وسيتم التباحث في هذا الملف”، مشيراً إلى أنه سيُعلن عن صفقات جديدة، من ضمنها استثمارات بقيمة 30 مليار دولار كشفت عنها شركة مايكروسوفت.
تأمل الحكومة البريطانية من خلال هذه الزيارة تعزيز العلاقات الثنائية مع واشنطن، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والتجارة والدفاع، رغم تباين وجهات النظر بشأن قضايا دولية مثل الوضع في أوكرانيا، والشرق الأوسط، ومستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويرى مراقبون أن هذه الزيارة تمثّل لحظة مفصلية لكل من ترامب وستارمر، فالأول يسعى لتقديم نفسه مجدداً كزعيم عالمي يحظى بالتقدير والاهتمام، في حين يأمل الثاني في توجيه الأنظار نحو نجاحاته على الساحة الدولية، في وقت يواجه فيه انتقادات متزايدة في الداخل البريطاني.
على المستوى الأمني، رفعت السلطات البريطانية درجة التأهب إلى أعلى مستوياتها، حيث أعلنت شرطة وادي التيمز عن نشر وحدات بحرية في محيط قلعة وندسور، إلى جانب تنفيذ سلسلة من التدابير الأمنية التي وُصفت بـ”الظاهرة والخفية” على حد سواء، بهدف تأمين هذه الزيارة غير المسبوقة.
في المحصّلة، تحمل زيارة دونالد ترامب الثانية إلى المملكة المتحدة أبعاداً رمزية وسياسية متعددة. فهي ليست فقط تكراراً لمشهد فخم ومراسم ملكية، بل تمثل أيضًا محاولة لإعادة رسم ملامح العلاقات بين ضفتي الأطلسي في سياق دولي متوتر. وبين بروتوكولات القصور ومظاهرات الشارع، يجد ترامب نفسه مرة أخرى في قلب الجدل البريطاني، ضيفاً مُرحباً به رسمياً، ومرفوضاً من قبل شريحة واسعة من الرأي العام.
المصدر : وكالات

