في سهرة موسيقية استثنائية مساء الأحد 3 أوت 2025، اعتلت المغنية الفرنسية ذات الأصول الأميركية روبين بينيت ركح مهرجان الحمامات الدولي، وقدّمت عرضًا غنائيًا اتسم بتنوعه الأسلوبي وعمقه الإنساني، أمام جمهور متعطّش للفن المنفتح على الثقافات.
بصوتها الدافئ وحضورها المسرحي الآسر، قادت “بينيت” الحاضرين في رحلة صوتية عبر أنماط موسيقية تتراوح بين الجاز، السول، البلوز والروك، في مزيج يعكس مسيرتها الفنية المتفردة، هي القادمة من بنسيلفانيا، المقيمة بفرنسا منذ عام 2006، والتي صنعت لنفسها مكانة لافتة ضمن مشهد الجاز الأوروبي المعاصر.
بأسلوب عفوي وتفاعلي، جمعت بين الغناء، الحركة، والرقص الإيقاعي، وتنقّلت بخفة بين المقاطع، مُعلقة أحيانًا على كلمات أغانيها بالفرنسية والإنجليزية، ما منح العرض طابعًا حميميًا وقريبًا من الجمهور. كما أتاحت لفرقتها الموسيقية إبراز قدراتها من خلال عزف منفرد وجماعي متوازن، حيث جاءت التوزيعات دقيقة واحترافية، منحت كل آلة مساحتها المستحقة، من الكيبورد إلى الغيتار، الساكسوفون، الباتري، والترومبات.
انطلقت السهرة بأغنية Higher Ground التي منحت البداية طاقة إيقاعية قوية، تلتها أعمال مثل Too Hot، I’m Not Cool، Little Pieces of You وStuck، حيث ظهر أسلوبها الخاص في المزج بين الجاز والسول بانسيابية وتعبير صادق. ومع أغنية She هدأت الإيقاعات، تاركة للجمهور لحظة رومانسية تأملية، ثم عاد التفاعل في OK All Right حين طلبت من الحاضرين ترديد اللازمة معها. وقدّمت بأسلوبها الخاص أغنية Je Vais Survivre التي كانت ترجمة موسيقية لمعاني التحدي والصبر، قبل أن تنتقل إلى Left Field ثم Take it Slow وFight Song، وهما أغنيتان تحملان رسائل شخصية عن الصمود والأمل.
واصلت السهرة تصاعدها مع مقطوعتي The Music وGet Yourself، حيث فسحت المجال للعازفين لإبراز مهاراتهم في فواصل جماعية زادت العرض مرحًا وتفاعلاً، تخللها تصفيق إيقاعي من الجمهور المتحمّس.
وعلى الرغم من مغادرة الفرقة الركح، لم يهدأ تصفيق الحاضرين الذين طالبوا بالمزيد، فاستجابت بينيت بعفويتها المعتادة، لتختم الأمسية بأغنيتين: Lately التي أدتها بإحساس مرهف، وRight on Time التي شكّلت ختامًا متماسكًا يتناغم مع روح الحفل، حيث البنية المحكمة، الإيقاع المتدرج، والتواصل العميق مع الجمهور.
طيلة السهرة، بدت روبين بينيت مليئة بالطاقة والحماس، تتنقل بخفة بين أعضاء فرقتها، تصفق، تلوّح بدفّها، وتخلق حالة من الفرح المشترك، حتى غدا العرض أقرب إلى كوميديا موسيقية نابضة بالحياة. وجعلت من تفاعلها مع الجمهور – بلغة فرنسية ممزوجة بلكنتها الأميركية – لحظات صادقة تدعو إلى الحب، التأمل، ومقاومة ضغوط الحياة اليومية بالتواصل الإنساني.
روبين بينيت اختارت أن تسلك مسارًا فنيًا بعيدًا عن النمطية، ينهل من التراث الأميركي، خاصة من روح نيو أورلينز، لتقدمه في قالب معاصر يفيض بالتجدد. موسيقاها انعكاس لفلسفتها في الحياة والفن، تنشر التفاؤل، وتدعو لبث الطاقة الإيجابية في عالم يحتاج إلى مثل هذه الرسائل.
وهكذا، تواصل الإيقاعات صدحها على ركح الحمامات إلى غاية 13 أوت، حيث سيكون جمهور المهرجان اليوم، الإثنين 4 أوت، على موعد مع نجم الراب التونسي بلطي، أحد أبرز الأصوات في الموسيقى العربية المعاصرة.

