في تطور لافت يعكس عمق الانقسام داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، أفادت مصادر بأن قيادة الجيش قامت مؤخرًا بفصل خمسة عشر ضابطًا من سلاح الجو، من بينهم ضابط سام برتبة لواء، بسبب توقيعهم على عريضة تدعو إلى وقف الحرب على قطاع غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.
ويأتي هذا القرار في فترة دقيقة، تتزايد فيها الضغوط الداخلية على الحكومة والجيش لإنهاء العمليات العسكرية التي طال أمدها، وسط شعور عام بالإرهاق والاستنزاف. ووفقًا لصحيفة إسرائيلية، فإن بعض الضباط المفصولين كانوا ضمن القوة التي يُفترض أن تشارك في تنفيذ هجمات جوية محتملة ضد إيران، إلا أنه تم استبعادهم من الخدمة الاحتياطية فور توقيعهم على العريضة، في خطوة تبرز مدى التوتر داخل القيادة العسكرية بشأن استمرارية الحرب.
في منتصف شهر جوان الماضي، شنت إسرائيل حملة عسكرية على إيران استمرت اثني عشر يومًا، استهدفت خلالها مواقع عسكرية ونووية، وهو ما أدى إلى ردّ إيراني مباشر تمثل في قصف مقرات عسكرية داخل الأراضي المحتلة. وقد كشف هذا التصعيد عن هشاشة الوضع الأمني في الجبهة الداخلية، وأثار تساؤلات عديدة حول جاهزية الجيش لخوض حرب على أكثر من جبهة.
الضباط المعنيون بالفصل لم يلتزموا الصمت، بل تقدّموا بالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، طالبوا فيه بإلغاء القرار الذي وصفوه بالتعسفي، مشيرين إلى أنه تم دون إجراء جلسات استماع أو تقديم مبررات قانونية، وهو ما اعتبروه انتهاكًا واضحًا لحقوقهم الأساسية كمواطنين وجنود احتياط.
من جهة أخرى، لم يكن هذا التحرك معزولًا، بل جاء في سياق احتجاجات أوسع داخل صفوف الجيش. فقد شهدت الأشهر الأخيرة توقيع ما يقارب ألف جندي احتياط ومتقاعد من سلاح الجو على رسائل مفتوحة تدعو إلى إنهاء الحرب، مشددين على ضرورة إبرام صفقة تبادل أسرى بشكل عاجل، حتى لو تطلب الأمر وقف العمليات العسكرية.
وتواصلت هذه التحركات في شهر أفريل المنقضي، حيث التحق بالاحتجاجات نحو مائة طبيب عسكري، إلى جانب مئات من جنود الاحتياط، مما يعكس تصاعدًا لافتًا في وتيرة المعارضة داخل المؤسسة العسكرية. كما صدرت رسائل مماثلة عن جنود قدامى، دعوا فيها إلى استعادة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ولو اقتضى الأمر إنهاء الحرب بشكل كامل.
وتجاوزت هذه الأصوات حدود الجيش، لتشمل أيضًا عدداً من الأكاديميين من مختلف الاختصاصات، الذين عبّروا عن قلقهم من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة للحرب، وانعكاساتها على المجتمع الإسرائيلي برمّته.
كل هذه المؤشرات تؤكد أن هناك انقسامًا داخليًا حقيقيًا يضرب وحدة الجيش الإسرائيلي، وأن الرأي العام داخل المؤسسات العسكرية والأكاديمية بدأ يميل أكثر فأكثر نحو الدعوة إلى حلّ سياسي ينهي الحرب، ويفضي إلى تسوية تضمن استعادة الأسرى دون المزيد من الدماء والدمار. هذا الانقسام المتصاعد قد يُرغم القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب على إعادة النظر في استراتيجيتها، خصوصًا إذا تواصلت الضغوط الداخلية بنفس الوتيرة.
المصدر : وكالات

